نافذة على عالم الذر

17:50 - 2023/03/02

-وقعت بحوث كثيرة في مسألة عالم الذر في تفاسير المفسرين ولهم آراء عديدة في ذلك.

نافذة على عالم الذر

لقد أخذ موضوع الميثاق في عالم الذر مجالا كبيرا وواسعا من البحث بين العلماء المتقدمين والمتأخرين من الفريقين من أجل الوقوف على حقيقته وتفسيره ، تلك الحقيقة التي أشارت إليها آية الميثاق وتحدثت عنها وهي قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.[1]

ونحن هنا إذ نخوض في هذه المسألة العميقة والدقيقة لا نستطيع لن نلج إلى كل جوانبها وحيثياتها، بل نعطي صورة سريعة لكل الوجوه الواردة عن العلماء فيها دون التعرض أيضا للإشكالات التي اعترض بها على كل تلك الوجوه والآراء. ولعل الهدف الأساسي أن يطلع القارئ العزيز على صورة مصغرة عن مسالة عالم الذر ليبدأ هو بعد ذلك بالبحث بشكل أعمق وأشمل من أجل الوقوف على تفاصيل كل النظريات والأقوال ، وإن كان لا وجود لتفسير وتأويل مجمع عليه حول حقيقة الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على عباده في عالم الذر حسب ما وقفت عليه.

أشهر النظريات في مسألة عالم الذر

ذهب العلماء والمفسرون سنة وشيعة في تفسير حقيقة عالم الذر طرائق قددا ومذاهب شتى ، وعندما بحث العلامة الشيخ جعفر السبحاني حفظه الله هذا الموضوع واستعرض جميع النظريات حوله لم يرجح أي قول على آخر بقول قاطع، بل ترك الباب مفتوحا من أجل تحقيق أشمل وأعمق يوصل إلى معنى أوضح وأكثر انسجاما مع ألفاظ الآية الشريفة موضوعة البحث.[2]

ونحن هنا لا نضيف شيئا جديدا لأنا لسنا في مقام يسمح لنا بذلك إنما نحن هنا في مقام استعراض الآراء والنظريات بداعي الفائدة والعلم ، وهي كما يلي:

النظرية الأولى :

وتقول هذه النظرية أن الله تعالى أحضر أبناء آدم عند خلقه ، من صلبه على هيئة كائنات ذرية صغيرة الحجم جداً وأخذ منهم الميثاق قائلاً لهم : (ألست بربكم ؟ فقالوا : بلى ) ثم أعادهم إلى صلب آدم عليه‌السلام ، وقد كانت هذه الكائنات الدقيقة الحجم ذات شعور وعقل كافيين آنئذ ، وقد سمعت ما قال الله لها وأجابت على سؤاله ، وقد أخذ هذا الإقرار من بني آدم ليغلق عليهم باب الاعتذار والتعلّل يوم القيامة.

النظرية الثانية :

وتقوم على أساس أن الإنسان خلق مؤمناً بالله بمقتضى الفطرة الإلهية السليمة الموهوبة له ، وسيظل بمعونة العقل الهادي إلى الله يبحث عن الله ويطلبه ويسأل عنه ، ويظل يواصل هذه المسيرة ما لم يعقه عائق ولم يمنعه مانع.

وعلى هذا فإنّ الميثاق المذكور في الآية لم يكن ميثاقاً تشريعياً وعلى نحو الخطاب والجواب اللفظيين ، بل هو ميثاق تكويني فطري ، وجوابه كذلك تكويني فطري.

عالم الذر

النظرية الثالثة :

أنّ آية أخذ الميثاق ناظرة إلى حالة الوجود والحضور الجمعي الدفعي عند حضرة ذي الجلال حضوراً لا تتصور فيه غيبة ، وكأنّ كل أبناء آدم أخذوا وجمعوا من ظهور آبائهم ، وحضروا عند الله ، وفي هذه الحالة من الطبيعي أن يجد كل إنسان ربه ، ووجدانه لله تعالى دليل واضح على وجود الله وربوبيته.

ولكن استقرار الإنسان ضمن نطاق الزمان وتطورات الحياة أشغله بحيث نسي نفسه وغفل عن علمه الحضوري بالله أي علمه بالله الناشئ من حضوره بين يديه سبحانه.

النظرة الرابعة :

ومفادها أن الله تعالى إنّما عنى جماعة من ذرية بني آدم خلقهم وبلّغهم وأكمل عقولهم وقرّرهم على ألسن رسله عليهم‌ السلام بمعرفته وما يجب من طاعته ، فأقرّوا بذلك ، وأشهدهم على أنفسهم به لئلاّ يقولوا يوم القيامة ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هٰذَا غَافِلِينَ) أو يعتذروا بشرك آبائهم.

هذه خلاصة الأقوال الواردة في مسألة الميثاق المأخوذ من بني آدم في عالم الذر بمجموعها [3]، ولطالب مزيد من تفاصيل الآراء وأصحابها من الفريقين راجع المطولات في ذلك، فهذا ما سمح به مقامنا. 

________

المصادر:

[1] سورة الأعراف ، الآية172.

[2] مفاهيم القرآن للسبحاني ، ج1 ، ص104.

[3] الآراء مقتبسة من مفاهيم القرآن للسبحاني، ج1 ، ص81 – 103. بتصرف.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.