كان الإمام الصادق عليه السلام على معرفة تامة بالعلوم وبلغات أهل عصره وأبناء مجتمعه مهما بعدت أوطانهم واختلفت ثقاقاتهم.
إن الروايات المأثورة عن الامام الصادق عليه السلام تنبئ عن فضله، وقد كان مجلسه يجمع بين العرب والعجم على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم، فيحدث كلاً منهم بلغته، ويفهمه بلسانه.
كان عليه السلام يتقن جميع لغات اهل عصره. منها النبطية والصقلبية والحبشية والفارسية، فقد دخل عليه قوم من أهل خراسان، فقال ابتداء من غير مسألة: "من جمع مالاً من مهاوش اذهبه الله في نهابر". فقالوا: "جُعلنا فداك، لا نفهم هذا الكلام"، فقال عليه السلام: "ازباد آيد بدم بشود"[1] "مايأتي به الريح يذهب به".
كان الامام الصادق عليه السلام على إلمام تام بالطب وما يتعلق به، وقد تحث عن الطبائع والامزجة وعن الاشياء ومنافعها ومضارها، ما يثبت وقوفه على هذا العلم.
روى محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد. وفي حديث آخر: الحمّى من فيح جهنم. فأطفئوها بالماء البارد.[2]
إنه عليه السلام لم يدرس كتب الطب
وحدّث هفان عن الطبائع والامراض وكان بمحضره أشهر أطباء عصره ابن ماسوية،[3] فقال نقلا عن الامام جعفر بن محمد عليه السلام: الطبائع أربع: الدم وهو عبد، وربما قتل العبد سيده، والريح، وهو عدو، إذا سددت له بابا أتاك من آخر. والبلغم وهو ملك يُدارى، والمرة، وهي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها. فقال ماسوية: أعد عليّ، فوالله ما يُحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف.[4]
وكان المنصور له طبيب خاص يحضر عنده ليقرأ عليه كتاب الطب، وقد حضر مرة عند الصادق عليه السلام، وجعل ينصت لقراءته، فلما فرغ الامام، قال الطبيب: يا أبا عبد الله، أتريد مما معي شيئاً، قال الامام: لا، لأن ما معي خير مما هو معك. قال: ما هو؟ قال: أداوي الحار بالبارد، والبارد بالحار، والرطب باليابس، واليابس بالرطب، وارد الأمر كله إلى الله، واستعمل ما قاله رسول الله وأعلم أن المعدة بيت الأدواء وأن الحمية هي الدواء، وأعوّد البدن ما اعتاد. قال الطبيب: وهل الطب إلا هذا؟
قال الصادق: أتراني عن كتب الطب أخذتُ؟ قال: نعم.
قال: لا والله ما أخذت إلا عن الله سبحانه وتعالى. فأخبرني: أأنا أعلم بالطب أم أنت؟ قال الطبيب: سل.
فسأله الامام عشرين مسألة، وهو يقول لا أعلم. فقال الصادق عليه السلام: ولكني أعلم[5] وبدأ بشرحها وتفصيلها.
المصدر
[1] . بصائر الدرجات، ج7، باب 11 ص 96.
[2] . وسائل الشيعة،ج 2، ص 647.
[3] . هو يوحنا بن ماسوية من أطباء العصر العباسي المشهورين وقد توفي عام 234هـ.
[4] . المناقب، ج 4نص 259.
[5] . المصدر، ج4، ص260.