التصدق بالخاتم يرسم مستقبل البشرية

نزل قوله تعالى" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"[1] واستدل بها الشيعة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.

ولتثبيت هذا المعنى لابد من الرجوع الى السنة لتعيين مورد النزول، والى وجه الاستدلال بها ثم دفع الإشكالات الموجهة.

إن إجماع الشيعة على أن الآية نزلت في علي عليه السلام عندما تصدق بخاتمه على السائل، لا يكفي لإقناع الطرف المقابل ما لم يرجع الى رواة الخبر من أهل السنة والمحدثين والمفسرين، لتتم الحجة على من يرى حجية كتبه ويلتزم بلوازم مذهبه.

اعتراف العلماء بنزولها فيه عليه السلام

فممن اعترف من أهل الكلام بنزولها في علي عليه السلام، القاضي الإيجي في كتاب المواقف وهو من أهم متون أهل السنة في أصول الدين،[2] والشريف الجرجاني في كتاب شرح المواقف[3] وسعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد،[4]  وعلاء الدين القوشجي السمرقندي في كتاب شرح التجريد،[5] كلهم اعترفوا في كتبهم بإجماع المفسرين من أهل السنة على نزول الآية المباركة في أمير المؤمنين عليه السلام، في هذه القضية الخاصة.

والمحدثون الذين اعترفوا في كتبهم بذلك فكثير، منهم الحافظ عبد الرزاق الصنعاني شيخ البخاري في المصنف، والحافظ عبد بن حميد في المسند، والحافظ النسائي في الصحيح، ومحمد بن جرير الطبري في تاريخه وتفسيره، وابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدث المفسر الذي يعتقد ابن تيمية  بأن تفسيره خال من الموضوعات، وابن عساكر الدمشقي والطبراني والخطيب البغدادي وأبو بكر الهيثمي وابن الجوزي وجلال الدين السيوطي والمتقي الهندي صاحب كتاب كنز العمال.

ويقول الآلوسي في روح المعاني: غالب الأخباريين على أن هذه الآية نزلت في علي كرم الله وجهه.[6] ثم نقل شعر حسان بن ثابت بهذه المناسبة حيث قال:

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا * زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية * وأثبتها أثنى كتاب الشرايع

مع كل هذا وابن تيمية يقول:

قد وضع بعض الكذابين حديثا مفترى أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة، وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل، وكذبه بين. ويضيف هذا الرجل: وأجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع ، وأن جمهور الأمة لم تسمع هذا الخبر.[7]

لا شك أنه يقصد من أهل العلم حيث يدعي الاجماع، يقصد نفسه فقط أو مع بعض الملتفين حوله، فيدعي إجماع أهل الحديث وأهل النقل وإجماع الأمة كلهم على ما يراه هو ، وكأن الاجماع في كيسه، متى ما أراد أن يخرجه من كيسه أخرجه وصرفه إلى الناس، وعلى الناس أن يقبلوا منه ما يدعي.

فالآية اذن دلت على إمامة علي عن طريق ثبوت الأولوية الثابتة لله ولرسوله، وقد غصبها من لا فضيلة له فكانت النتيجة كما أخبرت الزهراء عليها السلام بقولها" أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون، غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا، فيا حسرة لكم.

المصادر:

[1]. سورة المائدة، الآية 55.

[2] . المواقف في علم الكلام، عضد الدين الإيجي، ص405.

[3] . شرح المواقف، مير شريف الإيجي، ج 8، ص360.

[4] . شرح المقاصد، سعد الدين التفتازاني، ج 5 ، ص 170.

[5] . شرح التجريد للقوشجي، ص 368.

[6] . روح المعاني، الآلوسي، ج 6 ، ص 168.

[7] . منهاج السنة، ابن تيمية، ج 2 ، ص 30.