شبهة علم الغيب والقاء النفس في التهلكة

12:40 - 2023/08/03

-ليس الإخبار ببعض المغيبات علم غيب، ولا خروج الإمام الحسين عليه السلام، القاء النفس الى التهلكة.

شبهة علم الغيب والقاء النفس في التهلكة

من خلال التمعن في الآيات المختلفة للقرآن الكريم حول علم الغيب ، يتضح أن الآيات المتعلقة بعلم الغيب قسمان: قسم من الغيب يتعلق بذاته جل شأنه ولا يعلمه إلا هو كقوله تعالى:"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو"[1] وقوله تعالى: " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله"[2]

وقسم يصرح باطلاع أولياء الله على الغيب، كقوله تعالى:"ما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء "[3] وقد دلت الروايات الكثيرة على أن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته المعصومين اطلعوا على الغيب وأخبروا به أحيانا، مثل قصة حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب كتابا لأهل مكة وسلمه لامرأة تدعى" سارة " لتوصله إلى مشركي مكة، وأطلعهم النبي على هذا الأمر، وأخذوا منها الكتاب.[4]

وكذلك إخبارهم بحوادث معركة مؤتة، واستشهاد جعفر الطيار عليه السلام وكذا ما ورد في نهج البلاغة من أخبار كثيرة تشير إلى حوادث مستقبلية سابقة لأوانها، أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام، مما يدل على اطلاعه عليه السلام بأسرار الغيب.

علم الغيب

علم الغيب

فقد جاء رجل إليه فقال: إنّ خالد بن عرفطة قد مات، فقال عليه السّلام: إنّه لم يمت، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حماز. فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين! إنّي لك شيعة ومحبّ. فقال: من أنت؟ فقال: أنا حبيب بن حماز. قال: إيّاك أن تحملها! ولتحملنّها وتدخل بها من هذا الباب؛ وأومأ بيده إلى باب الفيل.

فلما كان زمان الحسين عليه السّلام، جعل ابن زياد خالد بن عرفطة على مقدّمة عمر بن سعد، وحبيب بن حماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخل من باب الفيل.[5] وقال للبراء بن عازب[6]: يقتل ابني الحسين وأنت حيّ لا تنصره؛ فقتل الحسين وهو حيّ لم ينصره.[7]

فعلم الغيب والإطلاع على الأسرار الخفية أو الأسرار الماضية والآتية، كله خاص بالله، وإخباراتهم كانت بتعليم الله سبحانه، والاطلاع على علم الغيب لا يعد علماً بالغيب، كما يظهر هذا المعنى من جواب الإمام علي عليه السلام لمن قال له: لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ، فأجاب الإمام: ليس هذا بعلم غيب، وإنما هو تعلم من ذي علم.[8]

أما القاء النفس الى التهلكة فإنه يقال: ما بال الحسين بن علي عليهما السلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه وأنه مقتول؟ كذلك يقال: ما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان؟

والجواب: أوّلاً، إن الإمام مكلّف باختيار الشهادة، بتوضيح أنّ تقدير الشهادة للإمام يأتي على أساس الحكمة الإلهيّة البالغة، ولها مصالح ملزمة يجب أن تتحقّق، ولهذا السبب يتعيّن على الإمام أن لا يتوقّى منها، وليس هذا فحسب، بل ويجب عليه اختيار الشهادة رغم علمه الدقيق بكيفيّة استشهاده، وذلك لأنّ اختيار الشهادة مع العلم بوقتها وكيفيّتها يُعدُّ فضيلة لا يحتملها إلاّ القادة الربانيّون الكبار وخواصّ أصحابهم.

ثانيا: إن جواب الإمام الحسين عليه السلام لمن سأله: ما الذي أخرجك عن حرم الله وحرم جدك محمد صلى الله عليه وآله؟

فقال له: يا أبا هرة إن بني أمية قد أخذوا مالي فصبرت، وشتموا عرضي فصبرت، وطلبوا دمي فهربت، يا أبا هرة لتقتلني الفئة الباغية،[9] يدل على أنهم مصممون على قتله على كل حال، فوقوفه في وجه بني أمية لا يعد مصداقا لأقاء النفس الى التهلكة.

المصادر:

[1] . سورة الأنعام، الآية 59.

[2] . سورة النمل، الآية 65.

[3] . سورة آل عمران، الآية 179.

[4] . الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 19، ص 109.

[5] . مقاتل الطالبيّين، أبو الفرج الاصفهاني، ص78.

[6] . هو من أصفياء الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، وأحد رواة حديث الغدير، وشهد معه الجمل وصفّين والنهروان، ونزل الكوفة وابتنى بها دارا، ومات أيّام مصعب ابن الزبير، وقد كفّ بصره في آخر عمره، ولعلّ هذا هو سبب عدم توفيقه لنصرة الإمام أبي عبد اللَّه الحسين عليه السّلام.

[7] . شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد المعتزلي ج10، ص 15.

[8] . أهل البيت في الكتاب والسنة، محمد الريشهري، ص 218.

[9]. مقتل الحسين، الخوارزمي، ص234.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
16 + 0 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.