إن معرفة قضية الإمامة، وتحديد الموقف منها، هو الذي يحدد مسار الإنسان واتجاهه في الحياة الدنيا. وعلى أساس هذا التحديد، يتحدد مصيره ومستقبله، ويكون سعيداً أو شقياً.
إن الإمامة هي التي تبين للإنسان الحق من الباطل، والحسن من القبيح، والضار من النافع، ويكون سعيداً أو شقياً، في خط الإسلام وهداه، أو في متاهات الجاهلية وظلماتها، وقد أشار إلى هذا المعنى الحديث الشريف: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"[1]
إن الإمامة تقدم للإنسان المعايير والنظم، والمنطلقات التي لا بد أن يلتزم بها، وينطلق منها، ويتعامل ويتخذ المواقف إحجاماً أو إقداماً على أساسها. وأيضا تتدخل في حياة الإنسان، وفي ثقافته، وفي أسلوبه وفي كيفية تفكيره.
والإنسان يأخذ من الإمام معالم دينه، وتفسير القرآن، وخصائص العقائد، ودقائق المعارف. والسر في اختلاف الناس في ذلك سببه اختلافهم في تحديد من يأخذون عنه دينهم، وفي مَن يتخذونه أسوة وقدوة.
إذن أمر الإمامة، ونصب الإمام للناس، وتعريفهم به، يمس في الصميم حقيقة هذا الإنسان، ومصيره ومستقبله، ودنياه وآخرته، ويؤثر في مختلف جهات وجوده وحياته. ولا يمكن أن يكون على حد تنصيب خليفة، أو حاكم، أو ما إلى ذلك، بل الأمر أكبر وأخطر من ذلك.
إذن فلا لإنسان بد من حسم الموقف في هذا الأمر، ليكون على بصيرة من أمره، فلا يموت ميتة جاهلية. كما تقدم في الحديث الذي جاءت صيغته صيغة عامة تشمل كل إنسان، حتى ولو لم يكن يعتنق الإسلام، حيث قال: "من مات ولم يعرف إمام زمانه..." ولم يقل: إذا مات المسلم ولم يعرف...الخ.
تجاهل الإمامة يوجب الميتة الجاهلية
واسم الشرط في أول الحديث يوضح لنا أن تجاهل قضية الإمامة، وإبعادها عن محيط الحياة والإنسان، يوجب الميتة الجاهلية، وقد عدّ تعالى عدم إبلاغ أمر الإمامة إلي الناس، انتفاء إبلاغ الرسالة نفسها من الأساس، وهذا يعني أن الإمامة لا يمكن التسامح فيها ولا تعطيلها، لأن ذلك يعني إبعاد الدين وتعطيله عن حياة الإنسان، وفي مجمل مواقفه وفي مستقبله.
وقوله تعالى "وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ"[2]يعني أن منع إبلاغ الرسالة والإمامة يساوي حرمان الإنسان من الهداية الإلهية، ومن الرعاية الربانية، ولا جريمة أعظم ولا أخطر من ذلك.
المصادر:
[1] . بحار الأنوار، العلامة محمد باقر المجلسي، ج ٢٣، ص ٧٨.
[2] . سورة المائدة الآية 67.