زرع بذور الثورة الحسينية

ومن القضايا المدهشة في وقعة الطف خطبة السيدة زينب عليها السلام الغراء لأن المرأة التي أبصرت الأمس بأم عينها مقتل إخوتها الست منهم فلذة كبدها الإمام الحسين وكذلك رأت مصرع ولديها والعشرات من أقاربها المطهرين والأصحاب المنتجبين، وتكبدت من المصائب والمصاعب ما تكبدت وهي الآن ذاهبة إلى الشام أسيرة، فمن الطبيعي أن تكون حزنة قلقة ومكتئبة للغاية لدرجة أن تذهل عن ما حولها وتنسى حتى التحدث بشكل طبيعي. ولكن عندما نراها تزأر كاللبوة، وتعصف كريح صرصرعاتية، ووجهت صفعة اللوم لأبناء الكوفة الخونة فعضوا الأنامل من الندم، وأسرت القلوب والعواطف، وزرعت بذور الثورة ضد حكم الأمويين في أرضهم.

ربيبة الوحي عليها السلام

 ولا غرو من ذلك فإنها ربيبة الوحي و من شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. أجل، لا بدع في ذلكم فإن السيدة زينب عليها السلام تنتمي إلى أمراء الكلام الذين فيهم تنشبت عروقه وعليهم تهدلت غصونه.

حماقة الأمويين

ومن حَماقة الأمويين أنهم بعد أن قتلوا الحسين عليه السلام وأصحابه أسَروا أهل بيته وأداروا رؤوس الشهداء المقدسة في الأزقة والشوارع، والسبايا –وفي طليعتهم السيدة زينب عليها السلام- انتهزوا الفرصة وألقوا خطبهم الناصعة وفضحوا جرائم الأمويين البشعة وبذلك صحا الناس وسرعان ما قلبوا الطاولة على الحكم الفاسد.

لما سقط في أيدي الناس

بعد أن ألقت السيدة زينب عليها السلام خطبتها الخالدة في الكوفة أحدثت ضجة كبيرة في الكوفة وسقط في أيدي الناس؛ قال الراوي: فو اللّه لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، و رأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتّى اخضلّت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وامّي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى.[1]

خطبة السيدة زينب الخالدة

ولا بأس بأن نذكر بعضا من هذه الخطبة الخالدة: (ويلكم يا أهل الكوفة أ تدرون‏ أيّ كبد لرسول اللّه فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأيّ حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء- وفي بعضها: خرقاء شوهاء- كطلاع الأرض، وملاء السماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنّكم المهل، فإنّه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإنّ ربّكم لبالمرصاد).[2]

المصادر:

[1]. عوالم العلوم، البحراني، ج17، ص378.

[2] . اللهوف، السيد ابن طاوس، ص147.