الملخص: عليّ بنُ أبي طالب يتصل بالإنسانية جمعاء، لا بفريق دون فريق وبجيل دون جيل وهو وصفةٌ مفردة لداء البشر، لم يرَ لها الشرقُ ولا الغربُ صورةً طبق الأصل. ولَيستحيل على أيّ كاتبٍ أو باحث، مهما بلغ من الفطنة و العبقرية أن يرسُمَ حياته الحافلةَ بالأحداث الجِسامِ كما هي.
إنّ التأريخ ليس كله صفحةً سوداء وليلةً ظلماء. بل في بقايا لياليه ومضاتٌ وبروق! وفي دياجيره متألقاتٌ وأهلّة! وفي غياهب جوره غررٌ حِسان وأيامٌ بيض وشموسٌ ضاحكات و أنجمٌ زاهرات. ومنارات تُكشِّح الدياجير من أمام أبصارنا وإلى جانب الوُديان قِممٌ نتطلّع بشوقٍ إليها ولهفة. وثمّة عباقرة يجدّدون ثقتنا بالحياة ولولاهم لتولّانا القنوط في كفاحنا مع المجهول. وهم معنا في كل حين وإن قامت بيننا وبينهم وهدات سحيقة من الزمان والمكان. فلا الزمانُ بقادرٍ أن يخنُقَ أصواتهم في آذاننا ولا المكانُ بماحٍ صوَرهم من أذهاننا.
وعليّ بنُ أبي طالب من هولاءِ القماقمة، بل في طليعتهم. إنه يتصل بالإنسانية جمعاء، لا بفريق دون فريق وبجيل دون جيل وهو وصفةٌ مفردة لداء البشر، لم يرَ لها الشرقُ ولا الغربُ صورةً طبق الأصل. ولَيستحيل على أيّ كاتبٍ أو باحث، مهما بلغ من الفطنة والعبقرية أن يرسُمَ حياته الحافلةَ بالأحداث الجِسامِ كما هي.
قل لي هل يعرف التأريخُ غيرَه حاكماً يحذّر نفسَه أن يأكل خبزا فيَشبَع، في مواطنَ لعلّ فيها من لا طمع له في القرص و لا عهد له بشِبَع وأن يلبَسَ ثوبا ناعما وفي أبناء الشعب من يرتدي خَشِنَ اللباس وأن يقتني درهماً وفي الناس بؤس وإعواز؟[1]
أو هل عُرِف من الخلق أميرٌ سواه يَطحنُ لنفسه فيأكل ما يَطحنُ خبزاً يابساً يَكسِره على ركبتيه ويَرقَع خُفَّه بيديه ولا يكتنز من دنياه قليلا أو كثيرا ولا يَشبَع ولا يرتوي لأنّ في الأرض بطوناً غَرثى و أكباداً حرّى؟[2]
ماذا عليكِ يا دنيا لو حشّدتِ قواكِ فأعطيتِ في كلّ زمن علياً بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره؟ فإنه صوت العدالة الإنسانية وشخصية الشرق الخالدة.[3]
المصادر:
[1]و[2]. «نهج البلاغة»، الشريف الرضي، محمد بن الحسين، قم، هجرت، الطبعة الاولى، 1414ق، الرسالة الخامسة و الاربعون، ص416.
[3]. «الإمام علي صوت العدالة الإنسانية»، جورج جرداق، النجف الأشرف، دار الأندلس، الطبعة الاولى، 2010م، ص1-53.