فكرة العصمة

09:38 - 2021/04/19

هنالك كثير من الآيات والروايات والبراهين العقلية تدل على لزوم العصمة للامام وسيوافيك في المقال التالي بعض منها.

العصمة,عصمة الائمة,العصمة في القرآن

العصمة قوّة تمنع ذيها من الوقوع في الخطأ والخطيئة، حيث لا يدع واجباً، ولا يرتكب محرّماً، مع قدرته على الترك والفعل، وإلّا لم يستحقّ‌ مدحاً ولا ثواباً، وإن شئت قلت: إنّ‌ المعصوم قد بلغ من التقى منزلة لا تتغلّب عليه الشهوات والأهواء، وبلغ من العلم في الشريعة وأحكامها مكانة لا يزل معها أبداً.
ولا يعني وجود العصمة في انسان أنه مسلوب الارادة و ان اللّه يمنعه من الوقوع في الخطأ جبرا أو قهرا؛ فالأمام كإنسان ينطوي على حرّية في الاختيار وإرادة في العمل، ولكن درجة الايمان التي بلغها تجعله يشعر بحالة من الشهود الكامل و اليقين القاطع فيرى الاشياء على حقيقتها، يرى قبحها فاحشا مما يضعف من احتمالات ارتكابه للمعصية إلى درجة الصفر بل ان مجرّد خطور ذلك في باله سيكون منتفيا تماما.
وليست العصمة فكرة ابتدعتها الشيعة، وإنّما دلّهم عليها في حقّ‌ العترة الطاهرة كتاب اللّٰه وسنّة رسوله، قال سبحانه: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ‌ لِيُذْهِبَ‌ عَنْكُمُ‌ الرِّجْسَ‌ أَهْلَ‌ الْبَيْتِ‌ وَ يُطَهِّرَكُمْ‌ تَطْهِيراً»[1] وليس المراد من الرجس إلّا الرجس المعنوي، وأظهره هو الفسق.
وقد احتج الامام علي (عليه السّلام) في اجتماع مجلس الشورى الذي اعقب وفاة الخليفة عمر بن الخطاب بآية التطهير قائلا: «... فانشدكم باللّه هل فيكم أحد أنزل اللّه فيه آية التطهير حيث قال: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ‌ لِيُذْهِبَ‌ عَنْكُمُ‌ الرِّجْسَ‌ أَهْلَ‌ الْبَيْتِ‌ وَ يُطَهِّرَكُمْ‌ تَطْهِيراً غيري‌؟ قالوا: اللهم لا».[2]
وقال رسول اللّٰه (صلى الله عليه و آله): «علي مع الحق و الحق مع عليّ‌ يدور معه كيفما دار»[3] ومن دار معه الحقّ‌ كيفما دار محال أن يعصي أو أن يخطئ، وقوله (صلى الله عليه و آله) في حقّ‌ العترة: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله و عترتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبدا»[4] فإذا كانت العترة عدل القرآن والقرآن هو كلام اللّٰه تعالى، فمن المنطقي أن تكون معصومة كالكتاب، لا يخالف أحدهما الآخر.
وإذا توضّحت الصورة الحقيقية لتبلور عقيدة العصمة عند الشيعة، وإنّ‌ منشأها هو الكتاب والسنّة، فإنّ‌ هذا الوضوح لم يتحسّسه البعض، بل ولم يكلّف نفسه عناء التثبّت من حقيقة مدّعياته وتصوّراته، حيث يقول: «إنّ‌ عقيدة العصمة تسرّبت إلى الشيعة من الفرس الذين نشأوا على تقديس الحاكم، لهذا أطلق عليها العرب النزعة الكسروية، ولا أعرف أحداً من العرب قال ذلك في حدود اطّلاعي، ولعلّ‌ غالبية الشيعة كانت ترمي من وراء هذه الفكرة إلى تنزيه عليّ‌ من الخطأ حتّى يتضح للملأ عدوان بني أُمية في اغتصاب الخلافة هذا وفي اليهودية كثير من المذاهب التي تسرَّبت إلى الشيعة».[5]
هكذا ودون أيّ‌ دليل وبيّنة متناسياً أنّ‌ جميع المسلمين يذهبون إلى عصمة النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله) ولا يختلف في ذلك أحد، فهل إنّ‌ هذه الفكرة تسرّبت إلى أهل السنّة من اليهود؟! أو أنّ‌ المسلمين أرادوا بذلك إيضاح عداوة قريش للنبيّ‌ (صلى الله عليه و آله)‌؟! أو غير ذلك من التخرصات الباطلة‌؟!
لا و اللّٰه إنّها عقيدة إسلامية واقتبسها القوم من الكتاب والسنّة من دون أخذ من اليهود والفرس، فما ذكره الكاتب تخرُّص بالغيب، بل فرية واضحة.
إنّ‌ الاختلاف في لزوم توصيف الإمام وعدمه، ينشأ من الاختلاف في تفسير الإمامة بعد الرسول وماهيتها وحقيقتها كما أشرنا إلى ذلك سابقاً، فمن تلقّى الإمامة - بعد الرسول - بأنّها مقام عرفي لتأمين السبل، وتعمير البلاد، وإجراء الحدود، فشأنه شأن سائر الحكّام العرفيّين. وأمّا من رأى الإمامة بأنّها استمرار لتحقيق وظيفة الرسالة، وأنّ‌ الإمام ليس نبيّاً ولا يوحى إليه، لكنّه مكلّف بملء الفراغات الحاصلة برحلة النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله)، فلا محيص له عن الالتزام بها؛ لأنّ‌ الغاية المنشودة لا تحصل بلا تسديد إلٰهي كما سيوافيك، نعم إنّ‌ أهل السنّة يتحرَّجون من توصيف الإمام بالعصمة، ويتصوّرون أنّ‌ ذلك يلازم النبوّة، وما هذا إلّا أنّهم لا يفرّقون بين الإمامتين، وأنّ‌ لكلٍّ‌ معطياته.
ثم يمكن الاستدلال على لزوم العصمة في الإمام بوجوه متعدّدة نورد منها اثنين: الأوّل: إنّ‌ الإمامة إذا كانت استمراراً لوظيفة النبوّة والرسالة، وكان الإمام يملأ جميع الفراغات الحاصلة جرّاء رحيل النبيّ‌ الأكرم (صلى الله عليه و آله)، فلا مناص من لزوم عصمته، و ذلك لأنّ‌ تجويز المعصية يتنافى مع الغاية التي لأجلها نصبه اللّٰه سبحانه إماماً للأُمّة؛ فإنّ‌ الغاية هي هداية الأُمّة إلى الطريق المهيع، ولا يحصل ذلك إلّا بالوثوق بقوله، والاطمئنان بصحّة كلامه، فإذا جاز على الإمام الخطأ والنسيان، والمعصية والخلاف، لم يحصل الوثوق بأفعاله وأقواله، وضعفت ثقة الناس به، فتنتفي الغاية من نصبه، و هذا نفس الدليل الذي استدلّ‌ به المتكلّمون على عصمة الأنبياء، والإمام وإن لم يكن رسولاً ولا نبيّاً ولكنّه قائم بوظائفهما.
نعم، لو كانت مهمة الإمام مقتصرة علىٰ‌ تأمين السبل وغزو العدو والانتصاف للمظلوم وما أشبه ذلك، لكفى فيه كونه رجلاً عادلاً قائماً بالوظائف الدينية، وأمّا إذا كانت مهمته أوسع من ذلك - كما هو الحال في مورد النبيّ‌ (صلى الله عليه و آله) - فكون الإمام عادلاً قائماً بالوظائف الدينية، غير كاف في تحقيق الهدف المنشود من نصب الإمام. فقد كان النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) يفسّر القرآن الكريم ويشرح مقاصده وأهدافه ويبيّن أسراره، كما كان يجيب على الأسئلة في مجال الموضوعات المستحدثة، وكان يردّ على الشبهات والتشكيكات التي كان يلقيها أعداء الإسلام، وكان يصون الدين من محاولات التحريف والتغيير، وكان يربّي المسلمين ويهذّبهم ويدفعهم نحو التكامل.
فالفراغات الحاصلة من رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله) لا تسدّ إلّا بوجود إنسان مثالي يقوم بتلك الواجبات، وهو فرع كونه معصوماً عن الخطأ والعصيان.
الثاني: قوله سبحانه: أَطِيعُوا اللّٰهَ‌ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ‌ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‌»[6] . والاستدلال مبني على دعامتين:
الأولى: إنّ‌ اللّٰه سبحانه أمر بطاعة أُولي الأمر على وجه الإطلاق؛ أي في جميع الأزمنة والأمكنة، وفي جميع الحالات والخصوصيات، ولم يقيّد وجوب امتثال أوامرهم ونواهيهم بشيء كما هو مقتضى الآية.
الثانية: إنّ‌ من الأمر البديهي كونه سبحانه لا يرضى لعباده الكفر والعصيان: وَ لاٰ يَرْضىٰ‌ لِعِبٰادِهِ‌ الْكُفْرَ[7] من غير فرق بين أن يقوم به العباد ابتداءً من دون تدخّل أمر آمر أو نهي ناهٍ‌، أو يقومون به بعد صدور أمر ونهي من أُولي الأمر.
فمقتضى الجمع بين هذين الأمرين (وجوب إطاعة أُولي الأمر على وجه الإطلاق، وحرمة طاعتهم إذا أمروا بالعصيان) أن يتّصف أُولو الأمر الذين وجبت إطاعتهم على وجه الإطلاق، بخصوصية ذاتية وعناية إلهية ربّانية، تصدّهم عن الأمر بالمعصية والنهي عن الطاعة. وليس هذا إلّا عبارة أُخرى عن كونهم معصومين، وإلّا فلو كانوا غير واقعين تحت تلك العناية، لما صحّ‌ الأمر بإطاعتهم على وجه الإطلاق بدون قيد أو شرط‍‌. فنستكشف من إطلاق الأمر بالطاعة اشتمال المتعلّق على خصوصية تصدّه عن الأمر بغير الطاعة.

المصادر:
[1] . الأحزاب: 33.
[2] . غاية المرام: 295.
[3] . حديث مستفيض، رواه الخطيب فى تاريخه 321:14 والهيثمي في مجمعه 236:7 وغيرهما.
[4] . حديث متواتر، أخرجه مسلم في صحيحه، والدار مي في فضائل القرآن، وأحمد في مسنده 114:2 وغيرهم.
[5] . الدكتور نبيه حجاب: مظاهر الشعوبية في الأدب العربي: 492، كما في هوية التشيّع: 166.
[6] . النساء: 59.
[7] . الزمر: 7.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
6 + 9 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.