إن سر نجاح الامم يكمن في الوحدة والتآخي وبهذا العنصر الغالي يمكن الحركة نحو الرقي ولهذا نجد الذكر الحكيم يحث عليها في الآيات. الوحدة اليوم هي ما يكون المسلمون احوج اليها من كل زمان.
لا ريب أن سر انتصار الأُمم وتغلّبها على المشاكل والعوائق التي تقع في طريقها يكمن في الاتّحاد والوحدة ، أو في الحقيقة أنّ سرّ تطوّر الأُمم وتكاملها ورقيّها رهين بمدى اتّحادها وإلفتها واستغلالها لجميع الطاقات والقدرات والإمكانيات المودعة فيها مادية كانت أو معنوية، بل انّ أساس نظام الكون والحياة ايضا قائم على هذا القانون المحكم والسنّة الإلهية التي لا يمكن أن تتخلّف بحال من الأحوال أبد الآبدين وهو قانون «الوحدة والتآخي».
ونحن إذا ألقينا نظرة عابرة إلى عالم الطبيعة وغيره من العوالم نجد فاعلية هذا الناموس بجلاء ووضوح لا ريب فيه، فالروافد الصغيرة تتحوّل باتّحادها إلى أنهار عملاقة، وهاته الأنهار باتّحادها تخلق بحاراً ومحيطات مترامية الأطراف تغطي قسماً كبيراً من سطح الكرة الأرضية.
وهكذا الأمر إذا نظرنا إلى قطرات المطر الضئيلة كيف تتحول إلى خزانات ماء كبيرة قادرة على تحريك عجلة أعظم المولّدات الكهربائية (التوربين) وانّها في نفس الوقت قادرة على إرواء أراض زراعية شاسعة جداً لتخلق في الأرض ـ إن صحّ التعبير ـ ثورة خضراء ونهضة نباتية يبهر العيون ويحيّر الألباب.
كذلك الأمر بالنسبة إلى القطعات والآلات المتفرّقة للمصانع والماكنات فإنّها تتحوّل باتّحادها وترابطها إلى أجهزة عملاقة ومصانع ضخمة قادرة على صنع الأعاجيب، والكلام نفسه يجري في النباتات فإنّ الشجرة لا تثمر ولاتؤتي أُكلها إلاّ من خلال الاتّحاد والانسجام والتناسق بين جميع أعضائها من الجذور إلى الساق والأغصان والأوراق.
ثمّ إذا انتقلنا إلى الأُمور والمؤسسات التنظيمية في الحياة البشرية نجد فاعلية هذا القانون جليّة جداً، فسرّ نجاح المدرسة ـ على سبيل المثال ـ و تكاملها يكمن في الوحدة والتلائم والتناسق بين جميع مكوناتها البشرية والمادية، ابتداءً بمدير المدرسة ومروراً بالأساتذة والكوادر الفنية والخدمية، وعروجاً على الطلاب، والأُمور المادية من الكتب والاقلام إلى اللوحات والمقاعد و...
بل انّ فهم الدروس واستيعاب المادة الدراسية رهين بتركيز الذهن وجميع القوى العقلية حول موضوع واحد وعنوان خاص. حكمه حكم الآلة الرافعة التي تركز جميع قدراتها على مركز وثقل واحد لتستطيع نقله من مكان إلى آخر.
كما نجد أثر هذا القانون بوضوح في دراستنا لتاريخ الجيوش والحروب التي وقعت في أرجاء العالم، فكم من جيش كان النصر حليفه والغلبة من نصيبه بسبب اتحاد قواه ومركزية قيادته، إذ يلتف حول قائد بصير ومحنّك ويعمل ضمن خطة موحدة ونظام مرسوم; وفي الوقت نفسه تجد الخيبة والخسران والهزيمة والفشل نصيب الجيش المنحلة قواه والمفكّكة عراه الذي تسوده الفوضى وعدم الانسجام، بحيث تجد كلّ فرقة منه أو فوج أو فصيل يعمل على شاكلته ويخطط لوحده ويتحرك بمفرده.
ولا غرابة إذا ما وجدنا مجموعة مكونة من 300رجل تنهزم وتؤسر من قبل رجلين أو ثلاث رجال فقط، وما هذا إلاّ بسبب وحدة الاثنين وتشتت الثلاثمائة!!
فلهذا نجد الذكر الحكيم يأمر المسلمين بالوحدة ويصر عليها، قال الله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا [1]، الى غير ذلك من الآي الكريم.
قصارى القول انه ممّا لا ريب فيه أنّ تلاقح الأفكار وتعدّد وجهات النظر وطرح النظريات المختلفة ممّا يمنح الحقيقة دفعة قوية للانطلاق إلى الأمام والوصول إلى الهدف ويزيح الستار والغموض عن وجهها. نعم انّ في الاتحاد سر انتصار الأُمم وتطورها.[2]
المصادر:
[1] ال عمران، 103.
[2] الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية، جعفر السبحاني، ج1، ص15.