-جاء في بعض الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) مفردة الدقيقة ولا استغراب في ذلك حيث كان العرب يستعملون هذه المفردة في كلامهم ولنرى ما المقصود من هذه المفردة في كلام أهل البيت (عليهم السلام).
مفردة الدقيقة في الروايات
لا يتم فهم الروايات عن أهل البيت عليهم السلام في زماننا الراهن إلا بملاحظة العديد من الجوانب كالرجوع إلى اللغة وملاحظة سائر الروايات التي ترتبط بالرواية أو الروايات المبحوث عنها، ومن جملة الروايات التي يقع البحث عنها هي ما في كتاب الكافي الشريف حيث ورد عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام : مَتى يَعْرِفُ الْأَخِيرُ مَا عِنْدَ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: « فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ تَبْقى مِنْ رُوحِهِ ».[1]
وفی روایة أخرى بهذا المضمون ما عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عليهالسلام، قَالَ: قُلْتُ لَهُ : الْإِمَامُ مَتى يَعْرِفُ إِمَامَتَهُ، وَيَنْتَهِي الْأَمْرُ إِلَيْهِ؟ قَالَ: «فِي آخِرِ دَقِيقَةٍ مِنْ حَيَاةِ الْأَوَّلِ».[2]
فيا ترى ما المراد من مفردة الدقيقة في كلام الإمام؟
الدقيقة كما جاء في اللغة أصلها من دقّ، يقول ابن فارس: (دَقَّ) الدَّالُ وَالْقَافُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى صِغَرٍ وَحَقَارَةٍ.[3] وفی موضع آخر یقول: وَالْجَلِيلَةُ: خِلَافُ الدَّقِيقَةِ وَيُقَالُ مَا لَهُ دَقِيقَةٌ وَلَا جَلِيلَةٌ، أَيْ لَا نَاقَةَ وَلَا شَاةَ... وَأَدَقَّ فُلَانٌ وَأَجَلَّ، إِذَا أَعْطَى الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ.[4]
فیتحصّل مما قاله أنّ الدق يدل على الصغر والجزء القليل من الشيء، والدقيقة في الكلام أحياناً تطلق على الجزء من الشيء أو جزء من الوقت كما جاءت هذه اللفظة في الروايتين السابقتين، حيث المقصود من آخر دقيقة هي اللحظة الأخيرة من العمر، أو آخر جزء من الروح المتبقية في الجسد، لا أنّها بمعنى الدقيقة التي تدل على ستين ثانية!
ولا يحق لمستشكل أن يقول مفردة الدقيقة من الألفاظ المستحدثة، إذ لو صح هذا الإشكال لورد أيضاً على مفردة الساعة حيث هي الآن تدل على ستين دقيقة ولكن لم يقل أحد بأنّها من الألفاظ المستحدثة، وقد جاء لفظها في القرآن الكريم: «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ...»[5] والكل يعتقد أنها تدل على جزء من الوقت لأن اليوم ينقسم إلى ساعات والساعات تنقسم إلى دقائق.
فلا يسع لأحد أن يحكم على رواية أو كلام إلا بعد ملاحظة كل الجوانب من الرجوع إلى قواميس اللغة ومعرفة كلام العرب ولسان الروايات والعلم بالقرائن، فمن غار بالروايات من دون معرفة تامّة فقد ارتطم في الشبهات فينتهي ذلك إلى الضلال.
[1] . الكافي، ج 1، ص685.
[2] . المصدر، ص686.
[3] . معجم مقائيس اللغة، ج2، ص258.
[4] . المصدر.
[5] . یونس، الآیة 45.