-ظهرت في عصر الامام الكاظم عليه السلام حركات فكرية هدامة كالزندقة والغلو، فتصدى لها الامام بكل امكاناته كما تصدى لها ابوه من قبل.
إن الحركات الفكرية التي ظهرت في عصر الامام الكاظم عليه السلام انتشرت في كثير من الامصار الاسلامية وكانت تستهدف القضاء على الإسلام، وتدعو الى غلو والالحاد، والى تفكك عرى المسلمين وروابطهم الاجتماعية.
فأبرز الامام عليه السلام علمه وحججه الدامغة في مناظراته مع حَمَلة تلك الافكار، وبادر الى ايقاظ المسلمين وتحذيرهم منها، وفي نفس الوقت كانت سياسته مع الحُكّام المقاطعة السلبية، لعلمه أن المقاومة الإيجابية لا تجدي نفعا ومصيرها الى الفشل.
إن الملحدين والغلاة لمّا عجزوا عن الوقوف بوجه الزحف الإسلامي المتنامي، وجدوا أن لا مناص إلا أن يندسّوا بين المسلمين لبث أفكارهم السامة للنيل منهم وتفكيك أواصرهم المترابطة في غزو عقولهم وأفكارهم وهم في عقر دارهم.
الامام يقوم بالمسؤولية
لذا أكثروا بين المسلمين من أفكارهم الهدّامة كقولهم: إن الله تعالى جسم كباقي الاجسام، فوقف الامام عليه السلام لهذه الظاهرة وشرح المراد من الأحاديث التي قد يستفاد من ظواهرها التجسيم أو التشبيه أو الحركة أو الانتقال، على الرغم من المراقبة الشديدة والضغط السياسي، وتضييق الحكام على الإمام عليه السلام.
فالامام عليه السلام لم يترك مسؤوليته العلمية، ولم يتخل عن تصحيح المسار الإسلامي بكل ما حوى من علوم ومعارف واتجاهات لتثبيت أركان التوحيد في أعماق النفس والعقل.
إن الامام عليه السلام كان ينصح من يراه من أصحابه يجالس ذوي الافكار المنحرفة لئلا يتأثر بهم، فقد روى عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول لأبي: ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب؟ قال: إنه خالي. فقال له أبو الحسن عليه السلام: إنه يقول في الله قولا عظيما، يصف الله تعالى ويحده، والله لا يوصف، فإما جلست معه وتركتنا، وإما جلست معنا وتركته.
فقال: إن هو يقول ما شاء، أي شيء عليَّ منه إذا لم أقلْ ما يقول؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: أمَا تخافنّ أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا؟ أمَا علمتَ بالذي كان من أصحاب موسى عليه السلام، وكان أبوه من أصحاب فرعون، فلما لحقتْ خيلُ فرعونَ موسى عليه السلام تخلّف عنه ليعظه، وأدركه موسى، وأبوه يراغمه حتى بلغا طرف البحر فغرقا جميعا، فأتى موسى عليه السلام الخبر، فسأل جبرئيل عليه السلام عن حاله، فقال له: غرق رحمه الله، ولم يكن على رأي أبيه، لكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمن قارب المذنب دفاع.[1]
المصدر
[1] . أمالي المفيد، ص 112، الحديث 3.