أهمية تزكية النفس

إن ما يجب أن يكون من أولى الأولويات في هذه الدنيا عند كل مسلم هو تزكية النفس، فـــ { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا }[1] خطاب إلهي، يرسم الوحوب الداعي والباعث والمحرك إلى تحقيق هذا الهدف الإلهي، والذي من أجله وجد الإنسان. ولا شك أن أي عاقل لايغفل عن كل ما يساعد في هذا المضمار، زمانيا كان ذلك أو مكانيا، ونحن إذ تظللنا نفحات شهر رمضان المبارك، فإن هذا الشهر العظيم من الأزمنة التي اختصها الله بروحانية لا في غيرها، لذا يجب أن نستغل هذه الروحانية، وهذه الخصوصية لهذا الشهر الكريم في سبيل تزكية النفس وتطهير القلوب، لأن جميع القيم تتكئ على تزكية النفس.

تزكية النفس أولى بها الدعاة والمبلغون

لاشك ولاريب أن تزكية النفس مرادة من كل عبد من عباد الله تعالى ويكون هذا الأمر آكد في حق كل من تلبس بلباس الدعوة والتبليغ، وسلك طريق طلب العلم الشرعي، طالبا كان أو عالما، لما يترتب على من هذه صفته في حال غفلة من مخاطر جسيمة على الفرد والمجتمع والأمة، ومن هنا جاء التحذير الشديد من العلماء وطلاب العلوم الروحانية الذين يزيغون عن سواء السبيل لغفلتهم عن تزكية النفس وتهذيبها.

يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: "هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل، وشر الشر أشرار العلماء، وخير الخير خيار العلماء"[2].

وعن الإمام علي عليه السلام: "قصم ظهري عالم متهتك وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه، والعالم ينفرهم بتهتكه"[3].  

وهنا لابأس أن نذكر كلمات للإمام الخميني بهذا الصدد حيث يقول قدس سره:

إذا لم تصلحوا أنفسكم في الحوزات العلمية، فأينما ذهبتم فإنكم تتسببون بانحراف الناس عن الإسلام وجعلهم يسيئون الظن بالروحانيين. إذا درستم فقد تصبحوا علماء، ولكن يجب أن تعلموا أن الفارق كبير جدا، بين العالم والمهذب فكلما اختزنت هذه المفاهيم في القلب الأسود غير المهذب يزداد الحجاب، إن العلم في النفس غير المهذبة حجاب ظلام، العلم نور ولكن في القلب الاسود يصبح سببا في ازدياد دائرة الظلمة والإسوداد. انتبهوا.. إياكم أن تبذلوا الجهد خمسين سنة بكد اليمين وعرق الجبين في الحوزات ثم تكسبوا جهنم.. فكروا وادرسوا سبل إصلاح المناهج الدراسية في مجال الأخلاق وتزكية النفس وتهذيبها. معاذ الله أن يقبل الناس على شخص ويحترموه قبل أن يهذب نفسه، عندها يخسر نفسه، ابحثوا عن حل قبل أن تبيض اللحى.

قال بعض أجلاء قزوين: كنت بالقرب من رجل حال احتضاره وفي آخر دقاءق حياته فتح عينيه وقال: إن الله ظلمني ظلما لم يظلم أحدا مثله!

إذا لم يهذب الإنسان نفسه فيخشى أن يسلم الروح بقلب مملوء ببغض الله. على الشباب أن لاينتظروا حتى يعلوا بياض غبار الموت رؤوسهم ووجوههم .. ما دمتم شبابا فباستطاعتكم أن تفعلوا شيئا. اتبهوا ما دامت الفرصة باقية، وكونوا قبل كل شيء بصدد تهذيب أنفسكم وتزكيتها.[4]

هذه وقفة أردنا بها تجديد النيات في شهر رمضان المبارك لعل الله يحيطنا بتوفيق فنوفق إلى تخلية النفس من الرذائل وتحليتها بالفضائل.

________

الهوامش:

[1] سورة الشمس، الآية9.

[2] جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، ج1، ص192.

[3] منية المريد، الشهيد الثاني، ص١٨١.

[4] سيماء الصالحين، رضا مختاري، ص25.

المصدر: سيماء الصالحين، بتصرف.