الرحمة الإلهية العامة والخاصة

16:05 - 2024/01/02

لقد وردت صفة الرحمن في القرآن الكريم بصورة مطلقة، بينما وردت صفة الرحيم بشكل مقيد تارة، وهذا دليل على عمومية الأولى وخصوصية الثانية.  

الرحمة الإلهية العامة والخاصة

المشهور بين جماعة من المفسرين أن صفة "الرحمن" تشير إلى الرحمة الإلهية العامة، وهي التي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته الرحمانية تعم جميع المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكل العباد يتمتعون بموهبة الحياة، وينالون حظهم من مائدة نعمه اللامتناهية. وهذه هي رحمته العامة الشاملة لعالم الوجود كافة وما تسبح فيه من كائنات. أما صفة "الرحيم" فهي إشارة إلى رحمته الخاصة بعباده الصالحين المطيعين، قد استحقوها بإيمانهم وعملهم الصالح، وحُرم منها المنحرفون والمجرمون، فرحمته الرحيمية خاصة بأوليائه المؤمنين.

دليل عمومية الرحمن وخصوصية الرحيم

إن الأمر الذي يشير إلى أن صفة الرحمن عامة وصفة الرحيم خاصة، هوأن الصفة الأولى ذكرت بصورة مطلقة في القرآن الكريم وهذا يدل على عموميتها، بينما الصفة الثانية ذكرت أحيانا مقيدة، لدلالتها الخصوصية وعدم عمومها، كما في قوله تعالى: { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا }[1] وفي رواية عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: "والله إله كل شئ الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصة ".[2]

الرحمن

من جهة أخرى؛ اعتبر المفسرون كلمة الرحمن صيغة مبالغة، ولذلك كانت دليلا آخر على عمومية رحمته تعالى. واعتبروا صفة الرحيم صفة مشبهة تدل على الدوام والثبات، فهي خاصة بالمؤمنين.

وثمة دليل آخر، هو إن الرحمن من الأسماء الخاصة بالله، ولا تستعمل لغيره، بينما الرحيم صفة تنسب لله ولعباده، فالقرآن وصف بها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، حيث قال: { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }[3]

وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام  ، فيما روي عنه: "الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم عام بصفة خاصة ".[4] ومع كل هذا، نجد كلمة الرحيم تستعمل أحيانا كوصف عام. وهذا يعني أن التمييز المذكور بين الكلمتين إنما هو في جذور كل منهما، ولا يخلو من استثناء.

في دعاء عرفة المنقول عن الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وردت عبارة: "يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما".

نختتم هذا الموضوع بحديث عميق المعنى، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: " إن لله عز وجل مائة رحمة، وإنه أنزل منها واحدة إلى الأرض، فقسمها بين خلقه، بها يتعاطفون ويتراحمون، وأخر تسعا وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة".[5]

____________

المصدر:

[1] سورة الأحزاب، الآية 43. 

[2] الكافي - الشيخ الكليني، ج ١، ص ١١٤.

[3] سورة التوبة، الآية 128.

[4] مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 21.

[5] نفس المصدر، ج 1، ص 54.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج ١، ص ٣٢.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
3 + 14 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.