منكروا خلافة علي عليه السلام بذلوا جهودًا كبيرة للخدشة فی اختصاص آية «الإبلاغ» بولایة أميرالمؤمنين عليه السلام. لكن شأن النزول والسنة الشريفة تثبت ذلك بوضوح.
إن لآية الإبلاغ مكانة كبيرة عند المسلمين. ترى الشيعة أن آية الإبلاغ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (1) نزلت بعد عودة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من حجة الوداع وبعدما أمر بتعيين الخليفة للمسلمين بعده.
وبعد نزول الآية في غدير خم قام رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بتعيين أمير المؤمنين عليه السلام خليفة، فبايع المسلمون عليًا عليه السلام و هنأوه بالإمارة على المؤمنين.
لكن منكروا خلافة علي عليه السلام بذلوا جهودًا كبيرة للخدشة فی دلالة الآیة علی ولایة أميرالمؤمنين عليه السلام، و أثاروا الكثير من الشبهات.
قال ابن تيمية ادعيتم أنكم أثبتم الولاية بالقرآن و القرآن ليس في ظاهره ما يدل عل ذلك أصلا فانه قال «بلغ ما أنزل إليك من ربك» و هذا اللفظ عام في جميع ما انزل إليه من ربه لا يدل على شيء معين.
فدعوى المدعي أن إمامة علي عليه السلام هي ممّا بلغها أو ممّا أمر بتبليغها لا تثبت بمجرد القرآن فان القرآن ليس فيه دلالة على شيء معين فان ثبت ذلك بالنقل كان ذلك إثباتا بالخبر لا بالقرآن فمن ادعى أن القرآن يدل على أن إمارة علي عليه السلام مما اُمر بتبليغه فقد افتري على القرآن. فالقران لا يدل على ذلك عموما و لا خصوصا. (2)
فادعى أن آية الإبلاغ لا تختص بإبلاغ ولاية أمير المؤمنين علیه السلام. بل تشمل كل ما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأن إثبات ولاية أمير المؤمنين علیه السلام بهذه الآية لا يتم إلا بمساعدة السنة. فدعوى الشيعة أن امامة الإمام علي عليه السلام قد ثبتت بالقرآن مرفوضة. فمن ادعى أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأمر القرآن كُلّف بإبلاغ ولاية أمير المؤمنين فهو افتراء على القرآن.
نقول: إن لسبب نزول الآيات دورًا هامًا في فهم آيات القرآن و تفسيرها و قد ذكر المفسّرون و حتى ابن تيمية نفسه فوائد ضرورية و مهمة لشأن نزول الآيات.
قال الزركشي: ... قال الشيخ أبو الفتح القشيري بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا .(3)
وقال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب .(4)
فسبب نزول هذه الآية يثبت لنا أن المراد من الموصول في «مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» هو ولاية إثبات ولاية أمير المؤمنين علیه السلام.
ثم إن التمسك بالقرآن من دون السنة ضلال. فإن المبيّن للقرآن هي السنة الشريفة. قال الله تعالی: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون.(5)
فالاستدلال بآيات القرآن بمساعدة الأحاديث ليس افتراء على القرآن بل هو أصح طريق لفهم القرآن.
المصادر:
(1) المائدة، 67.
(2) منهاج السنة النبوية، ابن تيمية الحراني أبو العباس (المتوفی728 هـ) ج7 ، ص47، الناشر : مؤسسة قرطبة - 1406، الطبعة : الأولى، تحقيق : د. محمد رشاد سالم .
(3) البرهان في علوم القرآن ، محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله (المتوفی794 هـ) ج 1 ، ص 22 ، الناشر : دار المعرفة - بيروت - 1391، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم.
(4). كتب و رسائل و فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية،أحمد عبد الحليم بن تيمية الحراني أبو العباس (المتوفی728هـ) ج 13 ، ص 339، الناشر : مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية ، تحقيق : عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي .
(5) النحل: 44