الإمام علي يصف النبي

إن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يكشف لنا في حديثه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بوضوح عمق شخصيّته من جميع الجوانب الفرديّة والاجتماعية والرساليّة والجهاديّة والأخلاقيّة. فنجد الإمام علي عليه السلام يمجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويعظمه في الخُطب والرسائل بما لم يعظمه أحد من المخلوقين, بل ولا الصحابة لا في العدد ولا في البيان. لأنّه حديث العارف المطّلع على مكنونات الشخصيّة العظيمة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

إن رسول الله كان تحت ظل عناية ورعاية الرب تعالى وقى قال الله في كتابه: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ... أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ.[1] فتلك العناية الإلهية والرعاية الربانية أثمرت في رسول الله كمالاً وقداسة إلى أن بلغ في الصفات مبلغاً لم يبلغه أحد من الأنبياء ولم يصل إليه أحد.

قال علي عليه السلام رسول الله في بعض خطبه بقوله: حَتَّى بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم شَهِيداً، وَبَشِيراً، وَنَذِيراً، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً، وَأَنْجَبَهَا كَهْلاً، أَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً، وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً.[2]

ويصف تواضع النّبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي خطبة أخرى فيقول: ولَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وآله وسلم يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، ويَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، ويُرْدِفُ خَلْفَهُ، ويَكُونُ السِّتْرُ عَلَى بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: "يَا فُلَانَةُ - لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ - غَيِّبِيهِ عَنِّي، فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وزَخَارِفَهَا.[3]

ويصفه الإمام علي في خُلُقه بأنه: أكرم الناس عشرة ، وألينهم عريكة ، وأجودهم كفاً ، من خالطه بمعرفة أحبّه ، ومن رآه بديهة هابه [4].

فكل من عاشر النّبي يشعر بالكرم النبوي ويجد اللين في طبعه في زمن كان غلظة القلب من صفات الرجال، فكان هو يلين لمن يعيش معه ويبسط بالكرم والعطاء كفّه.

المصادر

[1] . الضحى: 3-8.

[2] . نهج البلاغة، ص232.

[3] . نهج البلاغة، ص348.

[4] . بحار الأنوار، المجلسي، ج ۱٦، ص ۱٤۷.