أسعد الناس

لا شك أنّ الناس كلّهم يبحثون عن السعادة وأسبابها، السعادة لأنفسهم ولأبناءهم ولمجتمعهم ولوطنهم، فيسعون إلى تحققها والإحتفاظ بها ولكن ما هي السعادة الحقيقية وأيّ إنسان سعيد؟ آيات القرآن الكريم وروايات أهل البيت (عليهم السلام) هي كفيلة عن الإجابة ولكن مقدمة نقول إنّ السعادة الحقيقية هي فلاح الإنسان وفوزه يوم الحساب والحصول على نعيم مقيم، يقول تعالى: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ[1] ولم تأت هذه السعادة إلا بما قدّمه في حياته من الطاعات والابتعاد عن المحرمات واكتساب الفضائل الأخلاقية والصبر على عناء الدنيا وما شاكل ذلك.

هذا وقد صرّحت الروايات بمصاديق السعادة ولكن لا يخفى على الذكي أنّ هذه الروايات في الواقع جاءت لترشدنا إلى أسباب السعادة وكيفية العثور عليها

لا أنّها تتوقف على ذكر المصاديق فحسب وسنذكر بعضاً منها على سبيل الإختصار.

من أسعد الناس؟

1) من خالط الكرام

الإنسان يحتاج إلى مخالطة الناس وصحبتهم وذلك مقتضى الحياة ولكن يجب عليه أن يجعل المخالطه والصحبة وفق أصولها ووفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية المقدسة، فالمرء يتأثر من خليله وصديقه، فعن الصادق عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل[2] فسعادة المرء وشقاءه أحياناً يترتبان على المخالطة في الدنيا ولذا يوم القيامة ينادي بعضهم: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا[3] نعم فالسعيد من يخالل الأتقياء والصالحين والكرام من الناس كما قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): أسعد النّاس من خالط كرام النّاس[4] الكرام الذين تزيّنوا بمحاسن الأخلاق وترعرعوا على الصفات النبيلة فمن الطبيعي أن مخالطة هؤلاء الأفراد تؤدي إلى سعادة الإنسان وفلاحه.

إذا شئت أن تحيا سعيدا           وتنجو في الحساب من الخصوم

فلا تصحب سوى الأخيار واصرف     حياتك في مدارسة العلوم

2) الزاهدون

الإنصياع للدنيا والرغبة فيها تسبب خسران الدنيا والآخرة فيكتب الشخص من الأشقياء، نعم، الإسلام لا يأمرنا ان نترك الدنيا بل يحثنا على طلب الحلال والترفيه على الأسرة والمجتمع ولكن المذموم هو الركون إليها وأن تصبح الدنيا اكبر همّه إذ المفروض أن الدنيا مزرعة الآخرة لا دار البقاء حيث يتعلق الإنسان تعلّقاً تامّاً بالأموال والمناصب وما شابه ذلك وليس معنى الزهد كما يتصوره البعض منّا أن نترك الدنيا ونعيش المسكنة والفقر والبؤس بل الزهد هو أن تملك الشيءَ ولا يملكك الشيء، ولذا قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): أعظم النّاس سعادة أكثرهم زهادة[5] وقد بيّن الإمام معنى الزهد بكلامه: الزهد كله في كلمتين من القرآن، قال الله تعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم...) فمن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فهو الزاهد[6].

النَفسُ تَبكي عَلى الدُنيا وَقَد عَلِمَت          أنَّ السَلامَةَ فيها تَركُ ما فيها

لا دارَ لِلمَرءِ بَعدَ المَوتِ يَسكُنُها           إِلّا الَّتي كانَ قَبلَ المَوتِ بانيها

فَإِن بَناها بِخَيرٍ طابَ مَسكَنُها                  وَإِن بَناها بَشَرٍّ خابَ بانيها

3) ذوو العقول من المؤمنين

العقل من أعظم نعم الله على البشر فكيف إذا قرن بالإيمان! وكيف لا يسعد هذا الشخص فقد نوّر طريقه بالعقل والإيمان يقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) أسعد النّاس العاقل المؤمن[7] الإيمان بالإسلام وبما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) وبأهل البيت (عليهم السلام) فهم عصمة كل معتصم والعروة الوثقى الذين منّ الله علينا بهم یقول أميرالمؤمنين (عليه السلام) أسعد النّاس من عرف فضلنا و تقرّب إلى اللّه بنا و أخلص حبّنا و عمل بما إليه ندبنا و انته عمّا عنه نهينا فذاك منّا و هو فى دار المقامة معنا[8] فالسعيد من والاهم وسلك سبيلهم، عند ذلك يصدق عنوان العاقل المؤمن لأن العاقل لا يؤمن ببعض ويكفر ببعض.

ولا تنحصر أسباب السعادة بما ذكرناه بل كل ما كان فيه طاعة الله ورضاه فهو يسعد الإنسان، فيا حبذا الإنسان يسعى للسعادة ويجتهد فإنّ الدنيا لا تبقى لأحد وكلنا إلى زوال.

المصادر:

[1] . هود، الآية108.

[2] . بحار الأنوار، ج71، ص192.

[3] . الفرقان، الآية 27و28.

[4] . غرر الحكم و درر الكلم، ص199.

[5] . المصدر

[6] . ميزان الحكمة، ج2، ص1167.

[7] . غرر الحكم و درر الكلم، ص187.

[8] . المصدر،ص212.