وثيقة ظلامة الإمام الحسين

يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك، يا أبتاه من ذا الذي قطع وريديك، يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني، يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر.[1]

صدى الأنين

هذا صدى أنين طفلة يتيمة يهز النفوس ويدمي القلوب، ألا وهي رُقَية بِنت الحسين عليهما السلام، شهدت وقعة الطف وهي في الثالثة من عمرها. وسارت مع ركب سبايا كربلاء إلی الشام، وأسكنت في خربة لا تقيها من حر ولا برد[2]، وتوفيت هناك. ومرقدها في دمشق معروف يزار، على مقربة من الجامع الأموي الكبير.

القصة المشجية لبنت الحسين عليه السلام

وأما قصتها المشجية فهي أن نساء أهل البيت كنَّ يخفين على الصغار مقتل آبائهم ويقلن لهم إن آباءكم قد سافروا إلى البلد الفلاني. وكان الحال‌ على هذا المنوال إلى أن استيقظت ذات ليلة وقالت: أين أبي الحسين، فإني رأيته الساعة في المنام مضطرا مضطربا جدا. فلما سمعت النسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل، فصحا يزيد من نومه وقال: ما الخبر؟ ففحصوا عن الواقعة و قصوها عليه، فأمر بأن يذهبوا برأس أبيها إليها فأتوا بالرأس الشريف و جعلوه في حجرها، ففزعت الصبية وصاحت: ما هذا الرأس؟ قالوا: إنه رأس أبيك. فرفعته من الطست حاضنة له وهي تقول: يا أبتاه، من ذا الذي خضبك بدمائك؟! يا أبتاه، من ذا الذي قطع وريديك؟! يا أبتاه، من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟! يا أبتاه، من بقي بعدك نرجوه؟! يا أبتاه، من لليتيمة حتى تكبر؟! قيل: ثم إنها وضعت وجهها على وجهه الشريف وبكت بكاء شديدا حتى أغمي عليها، فلما حركوها فإذا هي قد فارقت الدنيا. فلما رأى أهل البيت ما جرى عليها أعلوا بالبكاء و استجدوا العزاء، و كل من حضر من أبناء دمشق، فلم ير ذلك اليوم الا باك و باكية.[3]

نعم، هذا غيض من فيض ما جرى على فلذة كبد الحسين عليه السلام. وبعد مرور ألف وأربعمائة عام على هذه القصة الأليمة يتألم الإنسان بمظلوميتها فسرعان ما ينكسر قلبه ويجري دمعه على خدّيه.

المصادر:

[1] . نفس المهموم، الشيخ العباس القمي، ص 416.

[2] . مثير الأحزان، ابن نما الحلي، ص 56.

[3] . كامل البهائي، عماد الدين الطبري، ج 2، ص 178.