لقد كانت سيرة مولاتنا الطاهرة فاطمة الزهراء سلام الله عليها عطرة وزكية ومليئة بكمال العبادة والطاعة لله تعالى، فما فارقت محراب الأنس بالله العلي العظيم أبدا، إلى آخر يوم في حياتها.
لقد سارت السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها على سُلم الوصول والقرب الإلهي لتبلغ الكمال المعرفي في الطاعة والعبادة له جل في علاه، فكانت صوامة قوامة، كثيرة الصلاة والدعاء والذكر، عنوان عبادتها الإخلاص والخشية والخوف منه تعالى، وما فارقت محراب الأنس بالله العلي العظيم أبدا، إلى آخر يوم في حياتها، فكانت سلام الله عليها في أعلى درجات المقربين في عليين عند المولى، كيف لا، وقد أذهب الله عنها وليس منها الرجس وطهرها تطهيرا.[1]
شواهد على عبادة الزهراء عليها السلام
لو سلكنا طريق البحث عن كل الشواهد التي يمكن أن نسوقها كنماذج ومُثُل على عبادة مولاتنا الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها خلال فترة حياتها رغم قصر عمرها الشريف لجف حبرنا ولن يسع لذلك مقامنا، وعلى هذا نذكر بعضا من تلك الشواهد التي سُطرت في سيرة الزهراء سلام الله عليها، تلك السيرة التي كانت تفوح عطرا وزكاة بكمال العبادة والطاعة لله تعالى، وكفى السيدة الزهراء مقاما أنها عليها السلام كانت محلا لثناء الله تعالى ومدحه،
فقد شهد لها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز أنها من الأبرار الذين يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا، وشهد لها على كمال الإخلاص والخشية منه تعالى، وكذا على عظيم إيمانها به تعالى وباليوم الآخر، وذلك قوله تعالى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}[2]
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشهد لها أيضا بالعبادة والطاعة والخشية منه تعالى حيث يقول:
1.في رواية عن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان إلى فاطمة قال فوقفت بالباب وقفة حتى سلمت، فسمعت فاطمة تقرأ القرآن من جوا والرحى تدور من برا، وما عندها أنيس، فتبسم رسول الله وقال ياسلمان "إن ابنتي فاطمة ملا الله قلبها وجوارحها إيمانا إلى مشاشها تفرغت لطاعة الله فبعث الله ملكا اسمه زوقا بيل وفي خبر آخر جبرئيل فأدار لها الرحى وكفاها الله مؤنة الدنيا مع مؤنة الآخرة".[3]
2.في رواية عن ابن عباس ورد فيها: " وأما ابنتي فاطمة فانها سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين ، وهي بضعة مني ، وهي نور عيني ، وهي ثمرة فؤادي ، وهي روحي التي بين جنبي ، وهي الحوراء الا نسية متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لاهل الارض ، ويقول الله عزوجل لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي وقد أقبلت بقلبها على عبادتي ، أشهدكم أني قد آمنت شيعتها من النار".[4]
وهذا الامام الحسن عليه السلام يشهد بذلك أيضا حيث:
1.قال عليه السلام: "رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة الجمعة فلم تزل راكعة ساجدة حتى انفجر عمود الصبحِ و سمعتها تدعو للمؤمنين و تسميهم و تكثر الدعاء لهم ولا تدعو بشيء لنفسها فقلت يا أماه لم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك فقالت يا بني الجار ثم الدار".[5]
2.وقال أيضا عليه السلام: "ما كان في الدنيا أعبد من فاطمة عليها السلام كانت تقوم حتى تتورم قدماها".[6]
والشواهد على عبادتها كثيرة جدا، لكن المقام لا يسع لكي نسرد كل ذلك التجلي الرباني، فسلام الله عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
__________
المصادر:
[1] إشارة إلى آية التطهير.
[2] سورة الإنسان، الآيات 7-11.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 46.
[4] نفس المصدر، ج 28، ص 38.
[5] نفس المصدر، ج 46، ص 313.
[6] نفس المصدر، ج 43، ص 73.