أم البنين ... السيدة الميمونة

من النساء المباركات اللواتي حظين بصحبة وصي رسول الله صلى الله عليه وآله؛ السيدة أم البنين ، فبعد أن عقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على الزواج بعد وفاة البتول الزهراء سلام الله عليها؛ دعا أخاه عقيلا وقال له: "اختر لي إمرأة ولدتها الفحول من العرب ، من ذوي البيوت والحسب والنسب ؛ لتلد لي غلاما شجاعاً فارسا رشيدا، فأشار إليه عقيلا على فاطمة عليها السلام المشهورة بـ أم البنين، وهي المولودة في أحضان قبيلة ذاع صيتها بشجاعة رجالها وفروسيتهم، فأبوها حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن عامر بن كلاب، وأمّها ثُمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب. وكانت نعم المرأة والسيدة الميمونة والفاضلة والمباركة.

أم البنين والرؤيا الصادقة

قبل أن يصل خبر خطبة الإمام علي لأم البنين ، كانت أم البنين عليها السلام قد رأت رُؤيا جليلة بشأن فقصتها على أمها وهي تقول لها: "يا أماه إنّي رأيت في منامي رؤيا البارحة. فقالت لها أمها خير رأيت ـ يا بنية ـ قصيها عليّ. فقالت فاطمة لأمها: إني رأيت فيما يرى النائم ؛ كأني جالسة في روضة ذات أشجار مثمرة وأنهار جارية ، وكانت السماء صاحية ، والقمر مشرقاً ، والنجوم ساطعة ، وأنا أفكر في عظمة خلق الله ، من سماء مرفوعة بغير عمد ، وقمر منير ، وكواكب زاهرة ، فبينما كنت في هذا التفكير ونحوه ، وإذا أرى كأنّ القمر قد انقض من كبد السماء ووقع في حجري ، وهو يتلألأ نوراً يغشي الأبصار ، فعجبت من ذلك ، واذا بثلاثة نجوم زواهر قد وقعوا أيضاً في حجري ، وقد أغشى نورهم بصري ، فتحيرت في أمري مما رأيت ، واذا بهاتف قد هتف بي، أسمع منه الصوت ولا أرى الشخص ، وهو يقول :

بشراك فاطمة بالسادة الغرر *  ثلاثة أنجم والزاهر القمر

أبوهم سيد في الخلق قاطبة  *  بعد الرسول كذا قد جاء في الخبر

فلما سمعت ذلك ذهلت وانتبهت فزعة مرعوبة ، هذه رؤياي يا أماه فما تأويلها؟!

فقالت لها أمها: يا بنية ؛ إن صدقت رؤياك ، فانك تتزوجين برجل جليل القدر ، رفيع الشأن ، عظيم المنزلة عند الله ، مطاع في عشيرته ، وترزقين منه أربعة أولاد ، يكون أولهم وجهه كأنّه القمر ، وثلاثة كالنجوم الزواهر.

وكان ذلك الرجل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فتزوجها علي عليه السلام في يوم مبارك مشهود. وأنجبت له أقمارا أربعة وهم العباس ، جعفر ، عبدالله وعثمان.

أمير المؤمنين وأم البنين الميمونة

لقد كانت أم البنين عليها هي تلك المرأة التي كان يريدها الإمام علي عليه‌ السلام، فرأى فيها سمات المرأة التي بلغت كمال الخلق والخلق وحسن التربية والسيرة، لذا كانت بحق امرأة تؤدي تكاليفها بأكمل وجه، فقد ربت للإمام علي عليه السلام رجالا أشاوس ، وفرسان أقوياء ، لايهابون الوغى، من أمثال أبي الفضل العباس عليه ‌السلام الذي ضرب المثل الأعلى في الشجاعة والمواساة والاقدام والوفاء ، وخاض لجج الموت ، واقتحم غمرات الحروب ، وجال بين صفوف الأعداء في ساحات الوغى منذ بدايات شبابه ، وهو لا يهاب الموت ، ولا يعبأ بوميض السيوف ورؤوس الحراب الخاطفة كالبرق .. كان قلبه أشدّ من زبر الحديد أمام الأعداء.

أم البنين مع الحسنين عليهم السلام

قامت السيدة أم البنين برعاية سبطي رسول الله صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله وريحانتيه وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليه‌ السلام ، وقد وجدا عندها من العطف والحنان، فقد كانت السيدة أم البنين تكن في نفسها من المودة والحب للحسن والحسين عليهما‌ السلام ما لا تكنّه لأولادها اللذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم، فقد قدّمت أم البنين أبناء رسول الله على أبنائها في الخدمة والرعاية، فقد كانت ترى ذلك واجبا دينيا لأن الله أمر بمودتهما في كتابه الكريم، فقال تعالى: {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ}[1]

ورُوي أنها لما زفت إلى بيت أمير المؤمنين عليه ‌السلام وجدت الإمامين الحسن والحسين عليهما‌ السلام مريضين ، فأخذت تقوم برعايتهما ، وتلاطفهما في القول وطيب الكلام ، حتى عوفيا من مرضهما وبرئا من علتهما. وكذا رُوي عنها أنها عهدت إلى أهل بيتها أن لا يناديها أحد باسمها "فاطمة" ، مخافة أن يتذكر أبناء فاطمة الزهراء أمهم الصديقة، فيتجدّد حزنهم وتثار أشجانهم، وتعود اليهم ذكرياتهم ، فدعاها أمير المؤمنين بـ"أم البنين". فالسيدة أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت، مخلصة في ولائهم ومحبتهم عليهم السلام.

اسشهدت المرأة الميمونة والمباركة السيدة فاطمة أم البنين سلام الله عليها في وفي خبر آخر توفيت 13 جمادى الآخرة سنة 64 هـ، فطيب الله ثراها، ونور قبرها، ورزقنا الله قضاء الحوائج بفضلها وبركتها، ويوم القيامة شفاعتها بحق محمد وآله الطاهرين.

__________

المصادر:

[1] سورة الشورى، الآية ٢٣.

من كتاب ام البنين النّجم الساطع في مدينة النبيّ الأمين، الشيخ علي الرباني الخلخالي، ص 29 وما بعدها، بتصرف.