أهل السنة وتدوين الحديث

17:59 - 2024/01/14

على الرغم من وضوح الأمر بتدوين الحديث، وأنه من وظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وتدوينها؛ فإن الخلافة حالت دون ذلك.

أهل السنة وتدوين الحديث

تُعتبر الرواية و الحديث والسنة النبوية المحمدية المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، وقد أمر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله غير مرة بالإهتمام بالسنة والحديث، وهذا ماجرت عليه طبائع الأنفس السوية. روى الإمام أحمد عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه انّه قال للنبي صلى الله عليه وآله: "يا رسول اللّه أكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم. قلت: في الرضا والسخط؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم فانّه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلاّ حقّا".[1]  

كيف لا وهو الذي لاينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى؛ صلوات الله وسلامه عليه وآله.

وبالرغم من وضوح الأمر بتدوين الحديث والسنة وأنه من وظيفة المسلمين الاهتمام بدراسة سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وتدوينها؛ فإن الخلافة حالت دون ذلك فأصبحت كتابة السنة والحديث جريمة لا تغتفر حتى أن الخليفة الثاني قال لأبي ذرّ وعبد اللّه بن مسعود وأبي الدرداء: "ما هذا الحديث الّذي تفشون عن محمّد؟.[2]

تعليل منع تدوين الحديث

طبعا ثمة اسباب أو تعليلات عديدة ينقلها أهل السنة حول موضوع المنع من كتابة الحديث وتدوينه ومن تلك الأسباب والتعليلات؛ هو الخوف من الإشتغال بغير القرآن الكريم، وكذا الخوف من حدوث اللبس عند عامة المسلمين، وبالتالي يختلط القرآن بغيره من الحديث كما يقولون، وهذا راي منقول عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. 

الحديث

أما التعليل الاول، فبعضه صحيح وبعضه باطل، لان ترك القرآن حرام، وكذا الاشتغال بسواه المؤدي إلى تركه، فهذا صحيح.

أما اعتبار الاشتغال بالسنة هو مما يؤدي إلى ترك القرآن فهذا باطل، لانا لا يمكننا فهم القرآن إلاّ بالسنة، لان رسول الله هو المكلّف بتبيين الاحكام للناس، لقوله تعالى: { تُبَيِّنَ لِلنَّاسِ}[3]

نعم الاشتغال بسواه، كالاخذ عن التوراة والانجيل المحرفتين هو المنهي عنه، وقد نهى رسول الله عمر بن الخطاب عن ذلك.[4]

أما التعليل الثاني، فهو الاخر باطل أيضا، لأن الاسلوب القرآني يختلف عن الاسلوب الحديثي، لان الحديث ما هو إلاّ توضيح وتفسير لكلام الله وما أراده الوحي، ولم يلحظ فيه الجانب البلاغي بقدر ما لوحظ الجانب التفسيري وأُريد منه، فحمل أحد الامرين على الاخر باطل، لان القرآن جاء على نحو الاعجاز والبلاغة، وقد عرفه مشركوا قريش حتى قالوا عنه: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ }.[5]

ولأجل هذا نرى إمكان تصور الكذب على رسول الله؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار".[6]

أما إمكان ذلك في القرآن فهو مستحيل، لأنه جاء على سبيل التحدي والاعجاز، لقوله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }.[7]

إضافة إلى أنه يلزم من هذا القول؛ اتهام الصحابة بفقدانهم القدرة على التمييز بين كلام الله وكلام رسوله، وغير ذلك من أوجه البطلان التي ذكرها – مثلا- السيد علي الشهرستاني في كتابه "منع تدوين الحديث".

وتجدر الإشارة إلى أن مثل هذه المواضيع عندما تُطرح تتطلب توسعا وعمقا في البحث، لأنها مسائل دقيقة ويبتني عليها الكثير والكثير، ونحن عندما نخوض في هكذا مواضيع إنما من فتح إعطاء إشارات ومفاتيح لعلها تكن مفتاحا إلى البحث والتدقيق، وذلك على عهدة الباحث المنصف.

________

الهامش:

[1] مسند أحمد، ج 11، ص 523.

[2] كنز العمال، المتقي الهندي، ج ۱۰، ص 293.

[3] سورة النحل، الآية 44.

[4] مجمع الزوائد، ج ١، ص ١٧٤.

[5] سورة، القمر، الآية ٢.

[6] مسند أحمد، ج 1، ص 165.

[7] سورة الإسراء، الآية 88.

 

مصدر المقال:

1. منع تدوين الحديث، الشهرستاني، السيد علي.

2. دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية، الشيخ جعفر السبحاني.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
12 + 4 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.