أساس الفساد أعمال الناس

16:54 - 2024/05/27

جميع المفاسد والمصائب هي نتيجة أفعال الإنسان السيئة والمشؤومة. 

أساس الفساد أعمال الناس

لربما لم نلتفت يوما أن الفساد أو المصيبة الذي حل ببحر ذاك البلد وبره، أو بأولئك القوم في أرضهم ومياههم وأكلهم وشربهم لم يكن أمرا عابرا لا شيء من ورائه. فظاهر القرآن الكريم أن القحط والجدب هنا أو هناك وراءه افساد الإنسان واجرامه وبطشه وغيه وتجاوزه لحدود الله سبحانه وتعالى. فقد أوضح القرآن العظيم بما لايدع مجالا للشك والإرتياب أن أفعال الإنسان السيئة والخبيثة تعود عليه وعلى من حوله بالضرر والنقمة، وزوال النعمة. وهنا نتوقف على عجلة مع هذا الموضوع لنتناوله بشيء من الإجمال، فالتفصيل يُطلب في محله.

أساس الفساد أعمال الناس أنفسهم

إن جميع المفاسد أساسها أعمال الإنسان السيئة، واطلاقه العنان لغرائز نفسه الشيطانية، وما قول الله تبارك وتعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[1] إلا تأكيد وارشاد إلى هذه الحقيقة والمآل الكارثي. حيث بينت الآية الكريمة أن ظهور الفساد والخراب في الأرض بسبب أعمال الناس أنفسهم، وهو انعكاس لأعمالهم البشعة.

يقول بعض المفسرين إنّ هذه الآية ناظرة إلى "القحط و الجدب" الذي أصاب المشركين بسبب دعاء النّبي صلى الله عليه وآله على مشركي مكّة،  فانقطعت المُزن ويبست الصحاري، وصار من الصعب عليهم الصيد من البحر الأحمر أيضا. وعلى فرض أن يكون هذا الكلام صحيحا تاريخيا، إلاّ أنّه بيان لأحد المصاديق ولا يحدد معنى الآية في مسألة ارتباط الفساد بالذنب، فهي ليست محدّدة بذلك الزمان والمكان، ولا بالجدب وانقطاع الغيث. وليس بعيدا أن يكون ذلك كله مصاديق للآية، لكن من المسلّم به أن هذا المصداق لا يعني تخصيص مفهوم الآية!.

الفساد

وعن بعض آخر فسّر الفساد في الأرض بأنّه قتل هابيل على يد قابيل. أو أن المراد بالفساد في البحر هو غصب السفن في عصر موسى، والخضر عليهم السلام. أو أن المراد من الفساد في البر والبحر هو ظهور الحكّام المتسلطين الفاسدين الذين يشيعون الفساد في جميع هذه المناطق. أوأن معنى الفساد في البحر المناطق المخصبة ذات البساتين والأثمار.!

ولعل الفساد في البحر المراد منه قلّة المواهب البحرية، أو عدم الأمن فيه، أو الحروب البحرية. ونقرأ حديثاً عن الإمام الصادق عليه السلام في هذا الصدد: "حياة دواب البحر بالمطر، فإذا كفّ المطر ظهر الفساد في البحر والبرّ، وذلك إذا كثرت الذنوب والمعاصي".[2]

وما ورد في هذه الرواية هو مصداق واضح للفساد وما ورد في شأن نزول المطر، وحياة دواب البحر به، فهو موضوع دقيق، تؤكّد عليه التجربة، فكلما قلّ ماء السماء قل السمك في البحر، حتى أنه يُسمع ممن يقطنون ساحل البحر يقولون: إن فائدة الغيث للبحر أكثر من فائدته للصحراء!.

ومهما يكن من اختلاف بين المفسرين إلا أن النتيجة التي نخرج بها من كل ما تقدم هو أن الآية الكريمة أشارت أو صرحت بأن الفساد -وأيا يكن ذلك الإفساد- الذي يحل بالبر والبحر وما يلحق ذلك  والدواب والحجر والشجر سببه الرئيس ذنوب الإنسان، وجرائمه وفساده وافساده. ولعل ذيل الآية الكريمة { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[3] شاهد على هذه النتيجة ومؤيد لها.

_______

الهوامش:

[1] سورة الروم، الآية41.

[2] تفسير القمي، علي بن ابراهيم، ج2، ص160.

[3] سورة الروم، الآية41.

مصدر المقال: نام تفسير الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج12، ص545. بتصرف.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
4 + 2 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.