الملخص: المثال يجب أن ينسجم مع المقصود، بعبارة اخرى المثال وسيلة لتجسيد الحقيقة حين يقصد المتحدث بيان ضعف المدّعي و تحقيره فإنّ بلاغة الحديث تستوجب انتخاب موجود ضعيف للتمثيل به، كيما يتضح ضعف أولئك. فلهذا يضرب القرآن الذباب و العنكبوت و النحل مثلا.
![هل أمعنت النظر في البعوض؟ بعوض, قرآن, مثل](https://btid.org/sites/default/files/media/image/03677840.jpg)
إن المنافقين كانوا يسخرون من المؤمنين و يقولون: أنظروا إلى نبيهم محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) يضرب الذباب[1] و العنكبوت[2] و النحل[3] مثلاً في كتابه المعجز و اللّه أسمى من أن يضرب هذه المـثـُل و الأجدر به ذكر الحيوانات العملاقة كالفيل و الإبل، و كانوا يردّدون مقالتهم هذه و يشكّكون في الرسالة و القرآن و يَضلون و يُضلون. و في هذه الظروف نزلت آية مذكورة فيها حشرة أخرى أصغر من هذه الحشرات کلها و هي البعوضة، حيث يقول: «إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها»[4].
و البعوضة حشرة مضرة من فصيلة البعوضيات و رتبة ذوات الجناحين، تعيش صغارها في المستنقعات، و تنقل بلدغتها شتى الجرثومات، فإذا اللّه يضرب بها مثلا لمعجزة الحياة فلا استحياء في مثلها، حيث الحياة في الفيلة بأعضائها كالحياة في البعوضة فما فوقها في الصغر، بل و للبعوضة ما للفيلة و زيادة عضوين آخرين.[5]
روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إنما ضرب اللَّه بالبعوضة، لأن البعوضة على صغر حجمها خلق الله فيها جميع ما في الفيل مع كبره و زيادة عضوين آخرين فأراد اللَّه ان ينبه بذلك المؤمنين على لطف خلقه و عجيب صنعه».[6]
و ذلك لأن المثال يجب أن ينسجم مع المقصود، بعبارة أخرى المثال وسيلة لتجسيد الحقيقة حين يقصد المتحدث بيان ضعف المدّعي و تحقيره فإنّ بلاغة الحديث تستوجب انتخاب موجود ضعيف للتمثيل به، كيما يتضح ضعف أولئك.
من المؤكد أن القرآن لو ساق الأمثلة في هذه المجالات على الجمال و الفيلة لما أدّى الغرض في التصغير و التحقير، و لما كانت أمثلته متناسبة مع أصول الفصاحة و البلاغة، فكأن اللّه تعالى يريد بهذه الامثلة القول: بأنه لا مانع من التمثيل بالبعوضة أو غيرها لتجسيد الحقائق العقلية في ثياب حسّيّة و تقديمها للناس.
الهدف هو إيصال الفكرة و الأمثلة يجب أن تتناسب مع موضوع الفكرة و لذلك فهو سبحانه يضرب الأمثلة بالبعوضة فما فوقها.[7]
[1]. إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ. [سورة الحج، 73]
[2]. مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. [سورة العنكبوت، 41]
[3]. وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُون. [سورة النحل، 68]
[4]. سورة البقرة، 26.
[5]. «الفرقان في تفسیر القرآن»، صادقي الطهراني، محمد، قم، انتشارات فرهنگ اسلامی، الطبعة الثانية، 1365 للهجرة الشمسية، ج1، ص253.
[6]. «تفسير نور الثقلين»، العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعه، قم، انتشارات اسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1415 ه، ج1، ص45.
[7]. «الأمثل في تفسیر کتاب الله المنزل»، مکارم الشیرازي، ناصر، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، الطبعة الأولى، 1421 ه، ج1، ص135.
و لمزيد من الإطلاع راجع: مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، طهران، انتشارات ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372 للهجرة الشمسية، ج1، ص165 [تفسیر الآية السادسة و العشرين من سورة البقرة].