رد أدلة أهل السنة في خلافة أبي بكر

يعتبر بحث الخلافة أو الإمامة  من أهم المباحث عند أهل السنة والشيعة، والتي توقف عندها علماء الفريقين كثيرا، وألفوا فيها المؤلفات والمطولات؛ في محاولة وسعي من كلا الفريقين إلى اثبات أن الفلان الفلاني هو الأحق بها بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله دون غيره. وفي ذلك المسعى قال أهل السنة أن أبا بكر هو الأحق بها من بين جميع الصحابة، بينما ذهبت الشيعة إلى القول بأن الإمام علي عليه السلام هو الأحق بها بين سائرهم. ولكل الفريقين ما احتج به من أدلة، بالإضافة إلى دفع أدلة الطرف المقابل وردها. غير أننا في هذه المساحة الصغيرة نورد دليلا واحدا من بين أدلة أخرى أوردها علماء أهل السنة في الباب، ثم نتطرق إلى الرد عليه، على أن تبقى مساحة البحث مفتوحة لكل طالب للحق والحقيقة.

خلافة أبي بكر بأدلة أهل السنة

كما نوهنا سلفا فإن علماء أهل السنة ساقوا أدلة كثيرة احتجوا بها على خلافة أبي بكر. منها ما أخرجه الترمذي؛ عن حذيفة قال قال رسول الله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم : "اقتدوا باللذَين من بعدي؛ أبي بكر وعمر".[1]   

وهذه الرواية استدل بها على خلافة أبي بكر؛ الإيجي في مواقفه، وابن حجر في صواعقه، وشارح العقيدة الطحاوية، وأبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة. وغيرهم[2].

وعلى فرض صحة سند هذه الرواية، إلا أنها لا تدل على خلافة أبي بكر أو عمر، لأن الإقتداء بينه وبين الخلافة عموم وخصوص من وجه ، بمعنى قد يكون خليفة عند أهل السنة ولا يجوز الاقتداء به ، وقد يكون مقتدىً به وليس بخليفة ، وقد يكون خليفة ومقتدى به. وعليه فالأمر بالاقتداء بأبي بكر وعمر لا يدل على خلافتهما بعد النبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم.

ويؤيد هذا الطرح ما ورد في بعض ألفاظ الرواية -المستدل بها- بعد الفقرة السالفة : "واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود"[3]؛ فإن علماء السنة لم يقولوا بدلالة هذا الحديث بهذا اللفظ على خلافة عمار من بعدهما، ولا ابن مسعود، مع أن الأمر بالاهتداء بهدي عمار ، أقوى دلالة على الخلافة من الاقتداء، لأن الله جل شأنه وصف الأئمة في كتابه العزيز بأنهم هداة إلى الحق ، فقال عز من قائل: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[4] ، وقال {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}.[5]

وأما الأمر بالاقتداء فورد في آية واحدة من كتاب الله ، وهي قوله تعالى {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}[6] ، وهي مع ذلك اشتملت على ذِكر الهدى ، فكل من كان على الهدى جاز الاقتداء به ، ولا عكس ، إذ يجوز أن يقتدى بشخص عند أهل السنة في الصلاة مع كونه فاسقا فاجرا ، أو في أي طريقة في أمور الدنيا نافعة مع كونه كافرا ، كالاقتداء بحاتم في كرمه ، وبالسموأل في وفائه ، أو ما شاكل ذلك.

هذا مع أن بعض مفسّري أهل السنة قالوا بأن قوله تعالى( أُولَئِكَ ) شاملة للأنبياء وغيرهم من المؤمنين. فهذا ابن كثير يقول: ( أولئك ) يعني الأنبياء المذكورين مع من أُضيف إليهم من الآباء والذرية والإخوان وهم الأشباه[7].

ومنه يتضح أن الآباء والذرية والإخوان إنما يُقتدى بهم لإيمانهم ، لا لكونهم خلفاء ولا أئمة ، وعليه فلا دلالة للاقتداء في الرواية على الخلافة أو الإمامة.

هذا مع أن هذه الرواية لم يسلم سندها من كلام ، فإن الترمذي أخرجها في سننه بطريقين ، أحدهما سكت عنه فلم يصحّحه ، والآخر وإن حسّنه ، إلا أنه قال : وكان سفيان بن عيينة يدلِّس في هذا الحديث[8].

وعلى كل حال ، فأكثر أسانيد هذا الحديث مروية عن السفيانيَّين ، وهما مدلسان، فكيف يقبل خبَرهما في مسألة الخلافة التي هي أهم المسائل.

هذا حاصل ما أورده بعض علمائنا الأبرار على أدلة القوم، نقلناه بتصرف. وللوقوف على باقي الردود راجعها في محلها.
_______

المصادر:

[1] سنن الترمذي، ج٥، ص٦٠٩.

[2] انظر: مسائل خلافية حار فيها أهل السنة، ص62. 

[3] المستدرك، ج٣، ص٧٥.

[4] سورة السجدة ، الآية ٢٤.

[5] سورة الانبياء ، الآية ٧٣.

[6] سورة الأنعام، الآية90.

[7] تفسير القرآن العظيم، ج٢، ص١٥٥.

[8] ميزان الاعتدال، الذهبي، ج٢، ص١٧٠.

مصدر المقال: مسائل خلافية حار فيها أهل السنة، الشيخ آل محسن.