نقض العهد هو الخسارة الفادحة

إن الخاسرين لهم خلال كثيرة ذكرت في طيات الآيات و الروايات و الذي يجدر الإنتباه إليه أن الخسارة من منظار القرآن لا تعني الإفلاس و ذهاب رأس المال، بل هي عبارة عن الفساد و الفسوق و العصيان و اتباع الهوى. الخاسرون الحقيقيون «الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِه»[1] و ذلك لأن الناس قد عاهدوا الله أن لا يتبعوا الشيطان و يعبدوه و الدليل على ذلك قوله تعالى: «أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني‏ آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبين».[2]
وليعلم أن النّقض هو الفسخ و الفك و ضده الإبرام. شاع استعمال النّقض في إبطال العهود و العقود من جهة أنّهم سمّوا العهد بالحبل على سبيل الاستعارة.[3]
ولكن هنالك يثار سؤال و هو من الأهمية بمكان، إذ لقائل أن يقول: إن العقد الثنائي بحاجة إلى إيجاب و قبول و أنا لا أتذكر القبول و ليست في البين وثيقة، فلا معنى آنئذ للعهد و نقضه. 
و الإجابة عليه تكمن في أعماق النفس الإنسانية، لأن في وجود الإنسان شعورا خاصا قد يعبر عنه بالضمير أو الفطرة يستطيع به أن يهتدي إلى الصحيح و يتجنب مزالق الشيطان و أهواء النفس. قال الله تعالى في الذكر الحكيم: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي‏ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها»[4] و عن النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله و سلم): «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ‏ وَ يُنَصِّرَانِه‏».[5]
بتعبير آخر: كل موهبة يمنحها اللّه للإنسان يصحبها عهد طبيعي بين اللّه و الإنسان، موهبة العين يصحبها عهد يفرض على الإنسان أى يرى الحقائق، و موهبة الأذن تنطوي على عهد مدوّن في ذات الخلقة يفرض الاستماع إلى نداء الحق ... و بهذا يكون الإنسان قد نقض العهد متى ما غفل عن استثمار القوى الفطرية المودعة في نفسه أو استخدم الطاقات الموهبة له في مسير منحرف.[6]

المصادر:
[1]. البقرة، 27.
[2]. يس، 60.
[3]. «جوامع الجامع»، الطبرسي، امين الدين، طهران، دار النشر التابع لجامعة طهران و الحوزة العلمية بقم، الطبعة الأولى، 1437 للهجرة الشمسية، ج1، ص34.
[4]. الروم، 30.
[5]. «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار»، المجلسی، محمد باقر بن محمد تقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403 هـ، ج3، ص281.
[6]. «الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل»، مكارم الشيرازي، ناصر، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، الطبعة الأولى، 1421ه، ج1، ص141.  

و لمزيد الإطلاع راجع: «الميزان في تفسير القرآن» للعلامة محمد حسين الطباطبائي، المجلد الأول، الصفحة الحادية و العشرين، تفسير الآية السابعة و العشرين من سورة البقرة.