فتوحات الخلفاء من وجهة نظر أهل البيت عليهم السلام

فتوحات الخلفاء من جملة المسائل التي تُعد من الأمور الداعية للإعتزاز عند شيعتهم و مواليهم و يسعى هؤلاء أن يغتنموا مشاركة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و كبار الصحابة في هذه الحروب لتأييد الخلفاء. لذا دراسة هذه الفتوحات، تبين لنا ماهية هذا القول؛ ولكن من أجل أننا لايمكننا دراسة كل أبعاد و أرضيات هذه الفتوحات في هذا المقال، لذا بداية نطالع وجهة نظر أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله؛ ثم ندرس معا بعض الشبهات الموجودة في هذا المجال.
الموجود من كلمات أهل البيت عليهم السلام حول الفتوحات، يدل على أن هذه الفتوحات ليست مقبولة عندهم. حيث يقول الإمام علي عليه السلام:
لَا يَخْرُجُ الْمُسْلِمُ فِي الْجِهَادِ مَعَ مَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْحُكْمِ وَ لَا يُنْفِذُ فِي الْفَيْ‏ءِ أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ كَانَ مُعِيناً لِعَدُوِّنَا فِي حَبْسِ حَقِّنَا وَ الْإِشَاطَةِ بِدِمَائِنَا وَ مِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ. [1]
أو يمكن الإشارة إلى كلام الإمام الصادق عليه السلام جوابا عن سؤال عبدالملك بن أعين:
عَنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَعْيَنَ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَلَمْ يَزَلْ يُسَائِلُهُ حَتَّى قَالَ فَهَلَكَ النَّاسُ إِذاً قَالَ إِي وَ اللَّهِ يَا ابْنَ أَعْيَنَ فَهَلَكَ النَّاسُ أَجْمَعُونَ قُلْتُ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ وَ مَنْ فِي الْمَغْرِبِ قَالَ إِنَّهَا فُتِحَتْ بِضَلَالٍ إِي وَ اللَّهِ لَهَلَكُوا إِلَّا ثَلَاثَة. [2]
و يمكن الرجوع إلى سيرتهم عليهم السلام في تأييد هذه الأحاديث حيث أن أميرالمؤمنين عليه السلام لم يَسعَ لمتابعة هذه الفتوحات في زمن خلافته.
إذا طبقا لهذا المهم، من أن أهل البيت عليهم السلام كانوا مخالفين لهذه الفتوحات، يخطر هذا السؤال على البال و هو: لماذا ساعد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام و صحابة الكرام في هذه الفتوحات؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرس الظروف الخاصة آنذاك. الزمن الذي فقد فيه المجتمع الإسلامي قائده رسول الله صلى الله عليه و آله و كان يُهدَّد من قبل الدول الكبرى كالروم و ايران، و لأجل هذا كان رسول الله صلى الله عليه و آله و في آخر عمره الشريف أرسل جيش أسامة لمقارعة هذه التهديدات.
من أجل هذا لو لم يشارك الأمير سلام الله عليه في هذه الفتوحات كمستشار، كان من المحتمل أن يتعرض المجتمع الإسلامي لخطر كبير بتدبير خطأ من قبل الخليفة آنذاك، و تذهب جهود رسول الله صلى الله عليه و آله في 23 سنة هباء منثورا.
كان حضور الصحابة الكرام كسلمان الفارسي، عماربن ياسر، مالك أشتر النخعي و... من أجل هذا السبب. و بالإضافة إلى هذا، فنظرا إلى وسعة الفتوحات و إنتشار إسم الإسلام في الأراضي المفتوحة، يبين لنا مدى أهمية حضور أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الفتوحات إذ كانوا كلهم من أهل الورع و التقوى و العلم و كان بينهم قراء القرآن كحجر بن عدى؛ فكان حضورهم يقلل من ألم الفتح بالسيف و يعطي هذه الفتوحات صبغة إيمانية و قلبية من حيث دعوة الناس إلى الإسلام بإقناعهم و هدايتهم. بعبارة أخرى؛ من أجل أن زعامة المجتمع الإسلامي كان بيد أشخاص آخرين و لا يمكن فتح البلدان بالكمية و الكيفية المطلوبة كما لو كان أميرالمؤمنين عليه السلام زعيما و كانت الفتوحات بيده و بطريقته، و كان حضوره صلوات الله عليه متعذرا في هذه الفتوحات، لذا لزم حضور أصحابه و تبليغهم أحكام الدين؛ لكي يقلل من الإهمال في الأمور التبليغية و الثقافية، و بها تُفتَتح القلوب كما تَفتح السيوف. كما يقول أحد المحققين:
في تلك الفتوحات التي لو لم يشارك فيها الصحابة لانتهت بشكل سيئ و لتسببت بالشر للمسلمين؛ ولكن مشاركة هذه الفئة، جهزت الأرضية لكي يتعرف الكثير من العجم على تعاليم الإسلام و في النتيجة، لم تمر بعض العقود إلا و خرج منهم العلماء و الفقهاء و المتفكرون الإسلاميون. [3]
إذا نظرا لما تقدم، نصل إلى هذه النتيجة أن الفتوحات التي جرت في صدر الإسلام لم تكن مؤيدة من قبل أهل البيت عليهم السلام؛ كما أن سيرة النبي صلى الله عليه و آله حيث لم يستعمل السيف في تبليغه الدين، تؤيد هذا الأمر أيضا. و عليه فإن أميرالمؤمنين عليه السلام عندما عمل مستشارا لبعض الخلفاء، كان عمله هذا من أجل حفظ الدين؛ و لو أن أصحابه الكرام شاركوا في هذه الفتوحات، كان من أجل صد جيوش الإسلام عن العمل بطريقة تخالف التعاليم الإسلامية؛ و بتبليغهم الصحيح و السليم، أوصلوا التعاليم الإسلامية إلى الأراضي المفتوحة.

المصادر:

[1] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص49
[2] الكليني، الكافي، ج8، ص253
[3] سيدجعفر مرتضى العاملي، مشاركت گروههاي مخالف در حكومت(مشاركة الفرق المخالفة في الحكومة)، مطالعات تاريخي (مجلة الدراسات التأريخية)، سال اول(السنة الأولى)، ش3، ص375