من الأمور التي حدثت بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، مما يوضح عدم التزام الصحابة بما عاهدوا عليه رسول لله من المسير طبق القواعد التي وضعها لهم، هو تأمير الفاسقين على بلاد المسلمين.
صار عثمان بن عفان خليفة بعد عمر بن الخطاب، وصار ينصب الولاة على بلاد المسلمين، وكلما نصب أميرا على بلد، ظهرت عيوبه وابتعاده عن قواعد الإسلام التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله للمسلمين.
بعد أن عزل عثمان سعد بن أبي وقّاص عن الكوفة لأمور ظهرت منه استوجبت عزله "اسْتَعْمَلَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ"[1]وهو من بني أمية ومن أقارب الخليفة.
وعندما تم تعيينه ودخل الكوفة حاكما عليها، أثار دهشة الجميع؛ فمن هو هذا الذي سيتولى الحكم؟ كيف يمكن لهذا الشخص أن يتولى الحكم وهو المعروف بالجهل والفساد! وهو الذي أُشير إليه في القرآن بصفة "فاسق" ونزل في حقه قوله تعالى "إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا"[2]عندما أتى بخبر أثار قلقًا في زمن النبي صلى الله عليه وآله، فانظروا كيف تغيرت المعايير والقيم، وكيف تبدلتْ المواقف.
هذا الرجل الذي ورد اسمه في القرآن بصفة فاسق، كانوا يقرؤون القرآن كل يوم، والآن يُعيّن حاكمًا!
الاستغراب من عثمان والأمير الجديد
لذا استغرب عبد الله بن مسعود من هذا الأمر وقال: "ما أدري أصلحتَ بعدَنا أم فَسَدَ النّاسُ"[3]أي أنك تحسّنْتَ بعدما تركتنا، أم أن الناس أصبحوا فاسدين لدرجة أنهم اختاروا شخصًا مثلك ليكون حاكمًا؟ كما استغرب سعد بن أبي وقاص وقال:"أَكِسْتَ بَعْدَنَا أَمْ حَمُقْنَا بَعْدَكَ؟" أي: هل أنك صرتَ حكيماً، أم نحن أصبحنا أغبياء لدرجة أنك فُضّلْتَ علينا؟ قال الوليد في جوابه: "لَا تَجْزَعَنَّ يَا أَبَا إِسْحَاقَ، كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ" فلا نحن أصبحنا أذكياء، ولا أنتم صرتم أغبياء "وَإِنَّمَا هُوَ الْمُلْكُ" أي هذه مسألة ملك، فقد تحوّلتْ الحكومة الإلهية من - الخلافة والولاية - إلى الملك "يتَغَدَّاهُ قَوْمٌ وَيَتَعَشَّاهُ آخَرُونَ"[4]
ولما سمع سعد بن أبي وقاص ما قاله الوليد، وسعد كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، فقد أثارت الاستغراب بالنسبة له أن تكون المسألة مسألة ملك، لذا قال له: "أَرَاكُمْ جَعَلْتُمُوهَا مُلْكًا" أي نراكم حولتم الخلافة إلى ملك!
هذا حال عثمان والخواص من الصحابة في هذه الأيام، قد وصلوا إلى الحضيض بعد مدة من العمل الجاد. وبعد ما كانوا يولون أهمية كبيرة لتعاليم النبي صلى الله عليه وآله.
المصادر:
[1] . الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2، ص 456.
[2] . سورة الحجرات، الآية 6.
[3] . الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2، ص 456.
[4] . المصدر، ج 2، ص 456.