صار الناس يدخلون في الإسلام واحدا تلو الآخر بعد نشر الإسلام. وهناك أناس سيوجدون لم يلتقوا بالنبي في عصر الرسالة. وهنا تشكّلتْ مسألة الوصية والولاية التي كانت بإرادة من الله لخلافة النبي بهدف الاستمرار في التربية والتعليم الذي بدأ به النبي الأكرم.
إن النقطة المهمة التي كان من المفترض أن تستمر خطط النبي التي وضعها لمسيرة الإسلام بعد رحيله. وهذا البناء الذي بناه النبي لم يكن بناءً سيهدم بسرعة؛ ولذلك فأول ما نلاحظه بعد وفاة النبي، أن كل شيء كان على ما يُرام، إلا مسألة الوصية؛ فالعدالة، والعبودية لله، والعبادة كلها جيدة.
وإذا نظرنا إلى التركيبة العامة للمجتمع الإسلامي في تلك السنوات الأولى، لم نجد على الظاهر أن شيئاً من أسس الإسلام قد تراجع.
إذن فماذا جرى من المغامرات التي سببتْ أن يعود المجتمع الإسلامي من تلك الحالة التي كان عليها في حياة النبي، إلى حالة الانقلاب بعد الخمسين سنة من رحيله صلى الله عليه وآله.
وما هي العوامل التي جعلت المجتمع الإسلامي يتجه تدريجيا نحو الضعف والاستنزاف، والابتعاد عن القواعد التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله. وهنا سورة الحمد تكشف عن بعض ذلك، فقوله تعالى: "اهدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيم" "صِراطَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ"[1]يُبيّن أن الله تعالى قد أنعم على الكثير من الناس.
والذين أنعم الله عليهم قوم نالوا نعمة الله وتجنبوا سخطه، ولم يضلهم. وهؤلاء هم الذين تقول عنهم الآية: "صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين"
و "المغضوب عليهم" كما ورد في الروايات هم اليهود، والضالين هم النصارى.
والأمة الإسلامية قد أنعم الله عليهم ثم صارت بعد رحيل النبي تتجه نحو "الغضوب عليهم والضالين"
الإمام الحسين ريحانة النبي
وهذا ما أكّدته الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "فَلَمّا قُتِلَ الحسينُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللّهِ على أهل الأرض"[2]لأنه معصوم، وكتب التاريخ مليئة بالأمثلة عن التردي الذي أصاب الأمة بعد رحيل رسول الإسلام صلى الله عليه وآله. فقد قال ابن الأثير، في الكامل في التاريخ؛ أن في قتل عثمان أسباباً لم أذكرها "لِعِلَلٍ دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ"[3]
ونقل قصة سعيد بن العاص الأموي، الذي نُصب خليفة على الكوفة بعد الوليد بن عقبة بن أبي معيط، لتصحيح تصرفاته. فقال رجل في مجلسه: "مَا أَجْوَدَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ! فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ مَنْ لَهُ مِثْلُ النَّشَاسْتَجِ لَحَقِيقٌ أَنْ يَكُونَ جَوَادًا، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَهُ لَأَعَاشَكُمُ اللَّهُ بِهِ عَيْشًا رَغَدًا"[4]
والنشاستج مزرعة كبيرة بالقرب من الكوفة، يملكها طلحة من صحابة النبي صلى الله عليه وآله. فلو قارنّا ما عليه طلحة بزهد الصحابة في زمن النبي لوجدنا الفرق شاسعا، وهذا أحد العوامل للتردي وكيف أن الأمر وصل إلى الترف بعد الزهد بعد مضي مدة من رحيل رسول الإسلام.
المصادر:
[1] . سورة الفاتحة، الآية 1.
[2] . بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٥٢، ص ١٠٥.
[3] . الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج2، ص 536.
[4] . المصدر، ج2، ص 512.