لقد سعى النبي صلى الله عليه وآله وتحمل المشاق الكثيرة في نشر الإسلام، وبنى أُسساً وضعها ليسير الإسلام عليها، وطبّقها صلى الله عليه وآله في السنوات العشر من عمر حكومته الإسلامية، وتراجع الالتزام بتلك الأسس بعد رحيله صلى الله عليه وآله لأسباب نذكره في هذا المقال.
أبو موسى نموذجاً: من الأمثلة على تراجع الالتزام بالأسس التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله لتقويم الأمة وتربيتها عليها، وخصوصا من الصحابة الكبار الذين يمدحونهم ويصفونهم بأنهم من أهل الجنة، ما نقله ابن الأثير في كتاب الكامل في التاريخ، حيث قال:
إن عثمان بعد ثلاث سنوات من خلافته، عزل أبا موسى الأشعري عن البصرة ونصب مكانه ابن خاله عبد الله بن عامر، وسبب عزل أبي موسى الأشعري، أنه كان قد حضَّ الناس على الجهاد،"وَذَكَرَ مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ مَاشِيًا، فَحَمَلَ نَفَرٌ عَلَى دَوَابِّهِمْ" أي طردوا دوابهم لأنها تحرمهم من الثواب الجزيل الذي يكسبونه من المشي على الأقدام لاعتقادهم بصحة ما يقوله الصحابي أبو موسى الأشعري"وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَخْرُجُوا رَجَّالَةً" وكان جماعة آخرون لم يستعجلوا بسماعهم هذا الترغيب على الجهاد مشياً وقالوا "لَا نُعَجِّلُ بِشَيْءٍ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ، فَإِنْ أَشْبَهَ قَوْلُهُ فِعْلَهُ فَعَلْنَا كَمَا يَفْعَلُ"
"فَلَمَّا خَرَجَ أَخْرَجَ ثَقَلَهُ مِنْ قَصْرِهِ عَلَى أَرْبَعِينَ بَغْلًا" وذلك لأنه لم يكن في ذلك الوقت ما يسمى بالبنك، تودع فيه الأموال، فأبو موسى كان يخشى العزل لو ابتعد عن البصرة وتذهب أمواله التي كان يكتنزها لنفسه، لذا يضطر إلى أخذها معه أينما خرج. "فَتَعَلَّقُوا بِعِنَانِهِ وَقَالُوا: احْمِلْنَا عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْفُضُولِ، وَارْغَبْ فِي الْمَشْيِ كَمَا رَغَّبْتَنَا. فَضَرَبَ الْقَوْمَ بِسَوْطِهِ، فَتَرَكُوا دَابَّتَهُ، فَمَضَى. وَأَتَوْا عُثْمَانَ فَاسْتَعْفَوْهُ مِنْهُ وَقَالُوا: مَا كُلُّ مَا نَعْلَمُ نُحِبُّ أَنْ تَسْأَلَنَا عَنْهُ، فَأَبْدِلْنَا بِهِ"[1]
هذا حال أبي موسى
فهذا حال أبي موسى الأشعري، وهو من خواص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله، نراه كيف يكتنز الأموال التي لا يُعلم من أين أتى بها، يحملها على أربعين من البغال، وقد قال تعالى" والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب"[2]إضافة إلى ذلك فهو ممن يقول ولا يفعل، وقد ذم القرآن الكريم هؤلاء فقال تعالى" لِمَ تقولون ما لا تفعلون، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"[3]
المصادر:
[1] . الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 2، ص 472.
[2] . سورة التوبة، الآية 34.
[3] . سورة الصف، الآية 2.