كان الامام الصادق عليه السلام في فترة لا يخشى فيها سطوة ظالم ولا وعيد جبّار، فترة امتزجت من أخريات دولة بني مروان وأوليات دولة بني العبّاس، وذلك لأن الأمويين وأهل الشام لمّا أجهزوا على الوليد بن يزيد وقتلوه، تضعضعت أركان سلطانهم.
في ذلك الحين كانت الدعوة لبني هاشم قد انتشرت في جهات البلاد، فصارت صوارف لبني مروان عمّا عليه الامام الصادق عليه السّلام من الحياة العلميّة، ولمّا أقبل الزمن وسالم بني العبّاس، اشتغلوا بتطهير الأرض من أميّة وبتأسيس الدولة الجديدة.
ومعلوم أن المُلك الغضّ يحتاج الى فترة من الزمن لتأسيسه ورسوخه، فكان انصرافهم لبناء المُلك وإِحاطته، عاملاً قد شغلهم برهة من الزمن عن شأن الامام الصادق في بثّه العلوم والمعارف وإِن لم يتناسه السفّاح ولكن لم يجد عنده ما يخشاه، ولمّا جاء دور المنصور كان قد صفا المُلك له، لذا ناصب العداء للصادق فكان يضيّق عليه مرّة ويتغاضى عنه أخرى.
الامام الصادق والمنصور
ففي كتاب المناقب عن المفضّل بن عمر: أن المنصور قد همّ بقتل أبي عبد اللّه عليه السّلام غير مرّة ، فكان إذا بعث إليه ودعاه ليقتله فإذا نظر إليه هابه ولم يقتله ، لكنه منع الناس عن الامام الصادق عليه السلام ومنعه عن القعود للناس واستقصى عليه أشدّ الاستقصاء الى أن ألقى اللّه عزّ وجل في روع المنصور أن يسأل الامام الصادق عليه السّلام ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لأحد مثله ، فبعث الامام الصادق إليه بمِخْصَرة[1] كانت للنبي صلّى اللّه عليه وآله طولها ذراع ، ففرح المنصور بها فرحاً شديداً وأمر أن تشقّ أربعة أرباع ، وقسّمها في أربعة مواضع ، ثمّ قال المنصور للإمام : ما جزاؤك عندي إِلا أن أطلق لك وتفشي علمك لشيعتك ، ولا أتعرّض لك ولا لهم فاقعد غير محتشم[2] وافتِ الناس ولا تكن في بلد أنا فيه، ففشى العلم عن الصادق،[3] وأخذ عنه أكابر معاصريه من أهل السنّة، ومنهم مالك وأبو حنيفة والسفيانان وأيوب وابن جريح وشُعبة وغيرهم[4]
المصدر
[1] . هي شيء ما يتوكّأ عليه كالعصا ونحوها وما يأخذه الملك بيده يشير به إِذا خاطب.
[2] . أي بلا خوف و لا انقباض.
[3] . مناقب آل ابي طالب،ج3، ص361.
[4] . شرح نهج البلاغة،ج1،ص 6.