-عاش الامام الصادق عليه السلام في فترة ما بين الدولتين المروانية والعباسية اللتين حاربتا الشريعة والنبي الامين.
التقية جُنّة : لقد قامت الدولتان بمطاوعة الشهوات والتفنن بالملذات حتى نبع من هاتيك المعازف والقيان والجور والفجور ورجالات المذاهب والآراء والاهواء، ساعين لصيد السمعة والصيت، حين لا محاسب ولا معاقب ولا ناهي ولا آمر، والسلطة تروّج تلك الإختلافات بهدف اضعاف مذهب اهل البيت عليهم السلام والتقليل من أنصاره.
لقد شاهد الامام جعفر الصادق عليه السلام ذلك الصراع القائم بين الدين والحكومة، وبين الحق وأرباب البدع، فماذا يتخذ موقفا في وسط هذا المحيط؟ أيعلن الحرب على السلطة وهو يعرف الناس وتخاذلهم عن الحق؟ أم يلتزم الصمت وهو مسؤول أمام الله تعالى، فلابد من مخرج لتخليص الدين من هذا الصراع.
لذا اتخذ سياسة رشيدة في سبيل نشر العلوم وبث الاحكام وكبح الضلالات في ظل التقية التي اتخذ منها جُنة لتنفيذ سياسته الحكيمة.
الدليل على التقية
كان دليل الامام الصادق عليه السلام في اتخاذ التقية وهي من الوقاية جُنّةً، الكتاب والسنة والعقل، ويكفي من الكتاب قوله تعالى: لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إِلا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه "[1] فجوّز تعالى للمؤمنين أن يتظاهروا في ولاء الكافرين عند التقيّة والخوف من شرّهم.
ودليله عليه السلام من السنة ما رواه الفريقان في قصّة عمّار[2]، حتّى عذره اللّه سبحانه في كتابه العزيز فنزل في حقّه قوله تعالى: إِلا من اُكره وقلبه مطمئن بالايمان.[3]
والعقل يؤيد ما قام به الامام عليه السلام، فإنه يحكم بوجوب المحافظة على النفس ويمنع من إلقاء النفس بالمهالك، وقد نهى عن ذلك الكتاب العزيز أيضاً فقال تعالى: " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "[4] وقال سبحانه " ولا تقتلوا أنفسكم إِن اللّه كان بكم رحيماً ".[5]
والغريزة البشرية جارية على التقيّة، فإنك لو حللت بدار قوم وتخشى منهم، لكنت تسرّ ما عندك بطبعك، من دون أن تعرف حكم العقل أو الشرع في هذا الشأن .
وتأريخ الاسلام شاهد على استعمال التقيّة، فقد أخفى النبي صلّى اللّه عليه وآله بدء الدعوة أمره حتّى دعا بني هاشم، وتكتّم المسلمون في إِسلامهم قبل ظهوره وانتشاره، وتستّر أبو طالب في إِسلامه ليتسنّى له الدفاع عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وليبعد عنه التهمة في دفاعه.
المصدر
[1] . سورة آل عمران، الآية 28.
[2] . الطبقات الكبرى، - ط دار صادر،ج 3،ص 250، والجامع لعلوم الإمام أحمد - العقيدة ، ج4،ص 84.
[3] . سورة النحل، الآية 106.
[4] . سورة البقرة، الآية 195.
[5] . سورة النساء، الآية 29.