ولسوف يعطيك ربك فترضى

لقد بلغ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند ربه مقاما ورُتبا ومنازل علية في الدنيا، فأكرمه الله بالنبوة والرسالة والخُلُق الكريم ليكون للعالمين بشيرا ونذيرا، إلى ذلك فإن الله جل وعلا بشره ووعده في الآخرة بمقامات أجل وأعظم وزيادة في العطاء والإكرام عندما بشره ببشارة عظيمة في السمو والرفعة فقال الله تعالى له: { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰٓ }.[1]

وجيء بحرف الاستقبال في قوله تعالى "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى"، لإفادة أن هذا العطاء مستمر غير مقطوع، وحذف المفعول الثاني في قوله "يُعْطِيكَ"، ليعم كل وجوه العطاء التي يحبها صلى الله عليه وآله وسلم أى: ولسوف يعطيك ربك عطاء يرضيك رضاء تاما.[2]

فالعطاء الرباني الذي أُعطي للنبي الأكرم في الدنيا سُعيطى أكثر منه يوم القيامة وسيغدق عليه صلى الله عليه وآله حتى يرضى، ولكن ماهو هذا العطاء الذي سيرُضيه عليه الصلاة والسلام؟

اتفق المفسرون سنة  وشيعة فيما وقفت عليه من التفاسير على تحقق العطاء والإكرام الذي وعده الله به يوم القيامة، غير أنهم اختلفوا سنة وشيعة أيضا في تشخيص نوعية الإكرام والعطاء الذي سيُرضي النبي صلى الله عليه وآله المراد في الآية ، فقيل هو الشفاعة في أمته وقيل رضاه أن لايدخل أحد من أهل بيته النار وقيل يُعطى من الجنة حتى يرضى، وقيل هو ألف قصر من لؤلؤ، ترابهنّ المسك، وفيهنّ ما يصلحهنّ، وقيل غير ذلك. ولنورد بعض ماذكره المفسرون في هذا الشأن:

1. تفسير نور الثقلين:

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد؟ فأقول نعم يا رب رضيت " ثم إن أمير المؤمنين التفت إلى جماعة وقال: " يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم... الآية، وإنا أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله: ولسوف يعطيك ربك فترضى وهي والله الشفاعة ليعطيها في أهل لا إله إلا الله حتى تقول رب رضيت ".[3] وقریب من هذا ما نقله القرطبي في تفسيره: قال عَلِي رَضِي اللَّهُ عَنْهُ لِأَهْل الْعِراقِ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: " قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ" قَالُوا: إِنَّا نَقُولُ ذَلِكَ. قَالَ: وَلَكِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ نَقُولُ: إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: " وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى". وَفِي الْحَدِيثِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذًا وَاللَّهِ لَا أَرْضَى وَوَاحِدٌ مِنْ أُمَّتِي فِي النَّار.[4]

2. الدر المنثور:

أخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عبّاس في قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضي قال: من رضا محمّد صلى الله عليه وآله أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.[5]

وقریب منه ما أُسند إِلَى زَيْدِ بْنِ عَلِي عَلَيْهِ السَّلاَم  فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضىٰ ،قَالَ:إِنَّ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ إِدْخَالُ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ شِيعَتِهِمْ الْجَنَّةَ، وكَيف لا و إِنَّمَا خُلقت الْجنةُ لَهُمْ، والنار لِأَعْدَائِهِم، فَعَلَى أَعْدَائِهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ الْمَلاَئِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ.[6]

3. تأويل الآيات:

عن علي بن عبد الله  بن العباس قال: عرض على رسول الله صلى الله عليه وآله ما هو مفتوح على أمته من بعده كفرا كفرا. فسر بذلك، فأنزل الله عز وجل "وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى". قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم . وقوله كفرا كفرا أي قرية، والقرية تسمى كفرا.[7]

ذكر مثل هذا الحديث الطبري، وأورد أيضا منه: عن علي بن عبد الله بن عباس، في قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى قال: ألف قصر من لؤلؤ، ترابهن المسك، وفيهن ما يصلحهن.[8]

والله تعالى أعلم.

_______________

المصادر:

[1] سورة الضحى، الآية5.

[2] التفسير الوسيط، ج15، ص428-429.

[3] تفسير نور الثقلين، ج 5، ص 595.

[4] تفسير القرطبي، ج ٢٠، ص.٩٦

[5] الدر المنثور، ج6، ص361.

[6] تأويل الآيات ج1، ص784.

[7] تأويل الآيات ،ج ٢، ص٨١٠،

[8] جامع البيان، ج ٣٠، ص٢٩٢.