التحريفات والتأويلات المغلوطة في فهم بعض المفاهيم الدينية تشكل تحدياً كبيراً أمام المسلم المعاصر. من بين هذه المفاهيم التي تعرضت للتحريف، مفهوم التباكي. فقد يخطئ البعض في تفسير هذا المصطلح، مما يؤدي إلى انتقادهم له دون فهم حقيقي لمضمونه وأبعاده الدينية.
التباكي أحد المفاهيم التي وقع فيها التحريف، للأسف، وقع البعض في خطأ نتيجة عدم فهم بعض الكلمات في الروايات، وانتقدوا مفهوم التباكي. على سبيل المثال، قالوا إن التباكي لا يعني أن تُظهر نفسك في حالة تشبه الباكين، بل يعني التعاون على البكاء. وأضافوا في موضع آخر أن الروايات التي تحتوي على لفظ "التباكي" قليلة، وأنها لا تعني أن يظهر الشخص نفسه كالباكين. وفي بعض الكتب ذكر أن مجرد نية البكاء أو التشبه بالباكين لا فائدة منه.[1]
نقد ومراجعة:
أولاً، يجب القول إن الروايات التي تتحدث عن التباكي، بلغت حد التواتر الإجمالي، بمعنى أن هناك يقيناً بصدور بعضها.
ومنها ما نقله ابن طاووس: "... ومن تباكى فله الجنة".[2]وروى الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أنشد بالحسين عليه السلام شعراً فتباكى فله الجنة".[3]
وما يثير الشبهة أن بعض الناس يعتقد أن التباكي، إذا كان يعني أن يجعل الإنسان نفسه في حالة الباكين، فإنه يكون تظاهراً ورياءً ولا قيمة له. لكن الواقع هو أن التباكي له دلالات أعمق وأهداف روحية، فهو ليس رياءً بل هو وسيلة لتعظيم الشعائر الدينية وإبراز تقوى القلوب. وبالتباكي، يمكن للفرد أن يشعر بالحزن الحقيقي مما يجعله يتفاعل بصدق مع مصائب الإمام الحسين عليه السلام.
التباكي في كلمات العلماء
يرى بعض العلماء، أن التباكي له أهمية كبيرة في تعظيم الشعائر الدينية. قال العلامة المجلسي: "التباكي حمل النفس على البكاء والسعي في تحصيله وقيل: المراد به إظهار البكاء والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضا حسن فإن من تشبه بقوم فهو منهم والأول أظهر".[4]
وقال الشيخ جعفر التستري: "إذا لم يتحقق البكاء فتباكى يعني جعل نفسه متشبهاً بمن يبكي فنكس رأسه مثلاً وأظهر صوت البكاء وعلامات الرقة والتأثر، حصل له ثواب ذلك".[5]
بناءً على ما تقدم، يمكن القول إن التباكي، ليس تظاهراً أو رياءً، بل هو جزء من تعظيم الشعائر الإلهية التي تعكس تقوى القلوب. إن التباكي، كارتداء الملابس السوداء في عزاء الإمام الحسين عليه السلام، يساهم في نشر جو من الحزن والذكرى لمصائبه، ويحث الناس على التأمل والتفاعل العاطفي الصادق.
المصادر:
[1] . عاشورا پژوهی، عباس ایزدپناه، ص476.
[2] . اللهوف، ابن طاووس، ص11.
[3] . ثواب الاعمال، الشیخ الصدوق، ص84.
[4] . مرآة العقول، محمد باقر المجلسي، ج12، ص56.
[5] . الخصائص الحسينية، الشيخ جعفر التستري، ص186.