-تناولت بعض الكتب لأهل السنة «مذهب الصحابي»، كأحد أدلّة التشريع الإسلامي، و أشبعته بحثاً.
في هذا الموضوع قال الدكتور السلقيني في كتابه «الميسّر في أصول الفقه الإسلامي»:اتفق علماء الاصول على ان قول الصحابي حجّة اذا كان القول يتعلق بأمر لايدرك بالرأي و العقل و الاجتهاد لان قول الصحابي في مثل هذه الامور لابد و ان يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه و آله وهذا النوع يعرف عند علماء الحديث: بالحديث الموقوف الذي له حكم الحديث المرفوع.[1] لكن هذه اللابدية من المصنف محل اشكال نظرا الى ما يأتي ذكره كقوله صلى الله عليه وآله «قد كَثُرَتْ عليّ الكَذّابة»
والحاصل انهم استدلوا على ذلك بالقران والسنة والعقل : اما من القران فقوله تعالى «والسّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الُمهاجرينَ والأنصارِ والّذينَ اتّبَعُوهُم بِإحسانٍ رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُم و رَضُوا عنه»[2]
قالوا: «فاللّه تبارك و تعالى أثنى على التابعين لاتباعهم الصحابة، فقد مدح اللّه الذين اتبعوا الصحابة و اعتبر اتباعهم في هديهم أمراً يستوجب المدح، و ليس أخذ كلامهم أنه حجة إلا نوعاً من الاتباع»[3]. كما استُدل أيضاً بآيات أخرى.[4]
وأدلتهم من السنّة، فقد استُدِلّ على حجية قول الصحابي بأحاديث عدّة، أهمّها:
«أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم».[5]
ودليلهم من العقل قولهم : ان قول الصحابي أقوى من قول غيره و مرجح على اجتهاد التابعين و من بعدهم لانهم عرفوا اسباب النزول و شهدوا أحكام الرسول صلى الله عليه و آله و اطلعوا على أصول الاحكام، ولكمال معرفتهم باللغة العربية فيكون قولهم أكثر موافقة للحق و الصواب.[6]
وجواب هذه النظرية أولاً:
انها لاتنسجم مع كثير من الآيات التي تذمّ بعض الصحابة، و تتهمهم بالنفاق، مثل: الآيات 8 الى 20 من سورة البقرة. وكقوله تعالى «ولايأتونَ الصّلاة إلاّوهم كُسالى» وقوله تعالى: أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ .[7]
ثانياً: انها لاتتفق مع الأحاديث النبوية التي لاحصر لها في ذم فريق من الصحابة، نظير:
«إن في أصحابي اثني عشر منافقاً».[8]
«قد كَثُرَتْ عليّ الكَذّابة».[9]
«لا أدري ما تُحدثون بعدي».[10]
«لا تَرجعوا بعدي كفّاراً».[11]
ثالثاً: إن تلك النظرية مبتنية على نظرية عدالة كل الصحابة التي ينقضها واقع الحال؛ لأن قسماً منهم قد اقترف الكبائر كالزنا، و القتل، و شرب الخمر، و شهادة الزور.[12] فكيف يكون قول مثل هؤلاء حجة يعتمد عليه مع تلك الاعمال الصادرة منهم؟
اما حديث "اصحابي كالنجوم" فيرد عليه:
أوّلاً: إنّ التشبيه فى هذا الحديث ساقط، لأنّ الاقتداء بالنجوم كلّها في وقت واحد لايزيد السالك إلاّ حيرة و ضلالا، بل لايمكن عملا!!
ثانياً: راوي الحديث جعفر بن عبد الواحد قال فيه ابن حجر: «قال الدارقطني: يضع الحديث. وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أصل لها. وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتى بالمناكير عن الثقات»[13] كما ان الالباني ضعفه في سلسلة الاحاديث الضعيفة وقال: «هذا الحديث باطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية»[14]
ثالثاً: مع الاصرار على تصحيح الحديث كما فعل ابن حبان،[15] فنحن نقتدي بالمخالفين لبيعة أبي بكر وعمر من أهل البيت (عليهم السلام) فهم الصحابة وأهل البيت، أو نقتدي بمن معهم من المهاجرين والأنصار كسعد بن عبادة ، وحذيفة بن اليمان ، وعمار بن ياسر ، والمقداد ، وسلمان ، وأبي ذر ، وبريدة الأسلمي، وخالد بن سعيد بن العاص الأموي ، وغيرهم ممن أدانوا بيعة السقيفة ورفضوها.
المصادر:
[1] - الميسر في أصول الفقه الإسلامي : 171 ـ 172.
[2] - التوبة: 100.
[3] - الميسر في أصول الفقه الإسلامي: 172.
[4] - نظرية عدالة الصحابة: 19 ؛ الإصابة في تمييز الصحابة: 1 / 7
[5] - الإصابة في تمييز الصحابة: 1 / 8
[6] - الميسر في أصول الفقه الإسلامي: 172
[7] - آل عمران: 144
[8] - كنزالعمال: ج 1، الحديث 856، 857
[9] - بحارالانوار: 2 / 225.
[10] - المصدر السابق: : 99 / 296.
[11] - كنزالعمال: ج 11، الحديث 30901 ـ 30928.
[12] - نظرية عدالة الصحابة: 44 ـ 48.
[13] - ميزان الاعتدال (1/ 412)
[14] - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (1/ 151)
[15] - المجروحين لابن حبان ت حمدي (1/ 36)