-لكلٍّ من حسن الادب و سوء الادب علامات. ولا يمكن معرفة الأدب إلا مع الانتباه الى مظاهر سوء الادب. وتظهر هذه المظاهر والعلامات والأعراض في الكلام والسلوك والموقف.
كلما صار العقل يفرّق بين الخطأ والصواب في دائرة الإرشاد الإلهي والتشريعي ، ويفكر في المعنويات والمعرفة ، ويهدي الإنسان إلى غايات أسمى وعبادة الله وسعادة الدنيا والآخرة ، ويصبح حاكما على هوى النفس ، فهو العقل الكامل الذي وصف في الروايات بالنور، قال رسول الله صلى الله عليه وآله «اَلْعَقْلُ نُورٌ فِى الْقَلْبِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَ الْباطِل»[1]
ومن نتائج العقل الممتاز، حسن الخلق والتأدب في الخطابات والمحاورات، قال رسول الله صلى الله عليه وآله «اُنظُروا اِلى عَقْلِهِ فَاِنَّما يَجْزِى اللَّهُ الْعِبادَ عَلى قَدْرِ عُقوُلِهِمْ وَ حُسْنُ الأَدَبِ دَليلٌ عَلى صِحَّةِ العَقْلِ»[2]
فاذا فقد الانسان الأدب فلا شرف مهما علت رتبته في انظار الناس، قال الامام علي عليه السلام: لا شَرفَ مع سُوءِ أدبٍ .[3] بل وكثرت أخطاءه وبدت مساويه، قال عليه السلام :مَن قَلّ أدبُه كثُرَتْ مَساويهِ .[4]
ايضا ذكر الرسول الكريم صلى الله عليه وآله خصالاً يحسن للعاقل ان يتصف بها وهي: "الصبر والتأني ، والتسامح ، والتواضع ، والإسراع في الأعمال الصالحة ، وقول الخير مع التدبر ، والصمت عن الشر ، والاعتذار بالله في الفتن. وحفظ اليدين واللسان ، واغتنام الفضائل ، والحياء ، والابتعاد عن الجشع".
كما أنه صلى الله عليه وآله اعتبر الخوف من الله وطاعة الخالق علامة على كمال العقل، قال: «اَكْمَلُ النَّاسِ عَقْلاً اَخْوَفُهُمْ لِلَّهِ وَ اَطْوَعُهُمْ لَه».[5]
بعد ذكر هذه المقدمة عن الاخلاق التي ينبغي للمسلم أن يتصف بها، نأتي الى ابن تيمية لنرى كيف يواجه العلماء في خطاباته ومحاوراته.
إنّ من السمات المميزة لشخصية ابن تيمية، حدته، وهجنة أسلوبه في الجدل ، فقد قال وهو يصف حوارا له مع بعض الفقهاء في مجلس أمير دمشق:
قلت: كان الناس في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق الملّي، وهو أول اختلاف حدث في الملة .. فقال الشيخ الكبير: ليس كما قلت، ولكن أول مسألة اختلف فيها المسلمون مسألة الكلام ... قال ابن تيمية فغضبتُ عليه وقلتُ: أخطأتَ، وهذا كذب مخالف للإجماع، وقلت له:
لا أدب ولا فضيلة، لا تأدبتَ معي في الخطاب، ولا أصبتَ في الجواب![6]
فهذا هو أدب الخطاب عند الشيخ: " أخطأت، هذا كذب، لا أدب، لا فضيلة، لا تأدبت، لا أصبت " كلها في جملة من سطر واحد!
ايضاً أفتى ابن تيمية في مسألة، وأفتى فقيه آخر بخلافه، فرد عليه ابن تيمية قائلا: من قال هذا فهو كالحمار الذي في داره![7]
كان ابن تيمية كثير السب لابن عربي والعفيف التلمساني والإمام الغزالي والفخر الرازي، وكثير النيل منهم والتهكم عليهم ويصفهم بأنهم فراخ الهنود واليونان ..
وإذا ذكر العلامة ابن المطهر الحلي، يقول: ابن المنجس!!
وإذا ذكر دَبيران صاحب المنطق، لا يقول إلا " دُبَيْران " بضم الدال.[8]
هذا كل ما تحلى به ابن تيمية من أدب الخطاب!! انه طبق ميزان الاحاديث التي وصفت العاقل، فهل يُعد ابن تيمية عاقلا ويستحق المتابعة في اقواله ونظرياته؟
المصادر:
[1] - ارشاد القلوب، ص 181.
[2] - المصدر، ص 182.
[3] - غرر الحكم ، ۱۰۵۳۰.
[4] - المصدر، ۸۰۸۹.
[5] - تحف العقول، ص 29.
[6] - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية ، 235
[7] - الفقيه المعذب ابن تيمية ، 152
[8] - أنظر الوافي بالوفيات للصفدي ج 7 ، 18 - 19 وقد دون ذلك من سماعه المباشر عن ابن تيمية في دروسه.