-لقد سعى الفكر المخالف لتبرير مخالفات الصحابة الى وضع قواعد رتبوها طبق مقاصدهم، من دون استناد الى دليل شرعي.
قد يكون من بين من يراد تبرير جرائمه وموبقاته ، من كان حين وفاة النبي « صلى الله عليه وآله » صغيراً جداً ، أو لم ير النبي « صلى الله عليه وآله »
سوى مرة واحدة ، في ساعة من نهار ، وبصورة عابرة ، فجاءت المعالجة من قبل من يهمهم أمر هؤلاء ؛ فقررت : أن الصحابي هو كل من صحب النبي « صلى الله عليه وآله » سنة أو شهراً ، أو يوماً ، أو ساعة ، أو رآه [1] . وعدوا من الصحابة صبياناً وأطفالاً رأوا النبي « صلى الله عليه وآله » يوم الفتح ، وفي حجة الوداع ، وغيرهما[2] .
صحابية المرتد :
وحين يجدون أن بعض من يعز عليهم من الصحابة يرتد عن الدين ، ويحارب النبي « صلى الله عليه وآله » ، ثم يعود فيظهر الإسلام ، كطليحة بن خويلد ، وبعضهم ارتد ، وأهدر النبي « صلى الله عليه وآله » دمه ، كما هو الحال بالنسبة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح .
وكذا الحال بالنسبة للأشعث بن قيس الذي ارتد عن الإسلام ، ثم لما أسر ، وأظهر التوبة في عهد أبي بكر أطلقه الخليفة ، وزوجه أخته في نفس الساعة [3] .
إنهم حين يجدون ذلك ، يبادرون إلى ادعاء : أن الصحابي إذا ارتد ذهبت صحابيته ، فإذا عاد إلى الإسلام عادت إليه صحابيته ، من دون حاجة إلى أن يرى النبي « صلى الله عليه وآله » من جديد[4] ، أي وتعود إليه عدالته أيضاً ! !
السكوت عما شجر بين الصحابة :
لقد كان ولا يزال الجهر بما فعله بعض الصحابة محرجاً ، بل مخجلاً لمن يعتقدون لزوم موالاتهم ، والارتباط بهم ، ويوجب سلب ثقة الناس بأناس يراد لهم أن يثقوا بهم ، بل يراد لهم أن يقدسوهم . ولو فرض أنه يمكن إسكات بعض العوام ، بواسطة إطلاق بعض الشعارات البراقة والرنانة ، أو بواسطة بعض الفتاوى المختلقة ، أو بشيء من الترغيب أو الترهيب ، فإن ذلك لا يتيسر بالنسبة لجميع الناس ، فلا بد من اعتماد أسلوب آخر للخروج من المأزق .
فقالوا عن الصحابة : « الواجب علينا أن نكف عن ذكرهم إلا بخير »[5] . وقد أخذوا على أبي عمر بن عبد البر : أنه قد شان كتابه « الاستيعاب » بذكر ما شجر بين الصحابة[6] .
من ينتقد الصحابة زنديق :
وحيث لم ينفع الأمر بالسكوت عما شجر بين الصحابة ، فقد لجأوا إلى أسلوب آخر للخروج من المأزق . وهو اتهام من ينتقد الصحابة بالزندقة ، والخروج من الدين ، والإلحاد . قال أبو زرعة : « إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » ، فاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول « صلى الله عليه وآله » عندنا حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق . وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ، ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولى . وهم زنادقة »[7] . وقال السرخسي : « من طعن فيهم فهو ملحد ، منابذ للإسلام ، دواؤه السيف ، إن لم يتب »[8] .
ومن الواضح : أن حملة الإسلام وتعاليمه إلى الأمم ليسوا هم الوليد بن عقبة ولا مروان بن الحكم ، ولا ابن أبي سرح ونظراؤهم ، وإنما هم علي « عليه السلام » وأهل البيت « عليهم السلام » وأبو ذر وسلمان وابن مسعود ، وأبي بن كعب ونظراؤهم من أعلام الأمة وعلمائها . وما كلام أبي زرعة وغيره هنا إلا مغالطة ظاهرة ، لا تسمن ولا تغني من جوع .
المصادر:
[1] - الكتابة في علم الرواية ص 51
[2] - الباعث الحثيث ص 184
[3] - الإصابة ج 1 ص 51.
[4] - فواتح الرحموت ج 1 وسلم الوصول ج 3 ص 180 .
[5] - السنة قبل التدوين ص 397 عن المنهج الحديث في علوم الحديث ص 62 عن شرح مسلم الثبوت .
[6] - الباعث الحثيث ص 179
[7] - الكفاية في علم الرواية ص 49
[8] - أصول السرخي ج 2 ص 134.