-إن شرع الله تعالى المقدس لايضع للنزعات المبنية على التعصب و الإفتخار الأعمى والهدام بالجنس أو العرق أو الجهة أو ماشابه وزنا ، بل إنه لأمر منبوذ فيه و مردود.
إن الله تعالى جل جلاله لم يجعل لأحد من عباده الأفضلية على عبد آخرعلى أساس القبيلة أو الجهة أو العرق أو اللون وما شابه ، بل ميزان الله تعالى في ذلك هو التقوى حصرا . أما التفاخر والتمييز النمطي الإبليسي السائد في عالمنا اليوم على أساس الأحساب والأنساب والأعراق والألوان _وكثيره في مجتمعاتنا الإسلامية للأسف عربا وعجما _ لا أساس شرعي له، بل يتنزه الشرع الحنيف عن مثله وينبذه ويرد عليه ويمقته وينهى عنه ويدعو إلى خلافه.
التقوى أغلى القيم وأعلاها
لا شك أن كل إنسان يرغب بفطرته أن يكون ذا قيمة وافتخار، ولذلك فهو يسعى بجميع وجوده لكسب القيم، وربما أخذت القيم الكاذبة مكانا بارزا ولم تبق للقيم الحقة مكان في قاموس الثقافة للفرد.
وحيث أن القيم الشيطانية جميعها أمور متزلزلة ومسائل ذاتية ومادية وعابرة فإن مبدأ سماويا كمبدأ الإسلام لا يمكنه أن يوافق عليها أبدا، لذلك يشطب عليها بعلامة البطلان ويعتبر القيمة الحقيقية للإنسان في صفاته الذاتية وخاصة صفة التقوى الذي ينبع من طهلرة القلب والإلتزام الديني. بل إن الإسلام أيضا لا يكترث بموضوعات مهمة كالعلم والثقافة إذا لم تكن في خط الإيمان والتقوى والقيم الأخلاقية.
إن قوله تعالى في كتابه العزيز: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.[1] يحطم الوثنية القبيلة والتفاخر الأعمى بها ويحرر الإنسان من أسر الإعتزاز الباطل بالعرق والدم والقبيلة واللون والمال والمقام والثروة ،ويقوده إلى معرفة نفسه والعثور على ضالته داخل نفسه وصفاتها العليا التي أساسها ومرجعها الأعلى والأغلى التقوى.[2]
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة: "يا أيها الناس ان الله قد اذهب عنكم بالاسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ان العربية ليست بأب ووالدة وإنما هو لسان ناطق، فمن تكلم به فهو عربي، ألا إنكم من آدم وآدم من تراب وأكرمكم عند الله أتقاكم".[3]
ورُوي أن رجلا سأل عيسى بن مريم عليه السلام : "أي الناس أفضل؟ فأخذ قبضتين من تراب فقال: أي هاتين أفضل؟ الناس خلقوا من تراب، فأكرمهم أتقاهم".[4]
فالمسارعة إلى اصلاح الذات والنفس واسكانها في دوحة التقوى والقرب الإلهي أولى من ما عداه من القيم الخبيثة التي لاتترك إيمانا ولا اسلاما. فبه الكرامة الدنيوية والأخروية.
____________
المصادر:
[1] سورة الحجرات، الآية13.
[2] تفسير الأمثل، ج١٦، ص٥٦٢-563. بتصرف.
[3] تفسير القمي، ج٢، ص٣٢٢.
[4] مجمع البيان، ج٩، ص٢٣٠.