وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

18:20 - 2022/11/27

- مامنا إلا وله يوم موعود مع ربه في دار البقاء، فيجازى فيه على كل شيء عمله في دار الفناء، إن خيرا خيرا وإن شرا شرا، ولايظلم ربك أحدا.

وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه

من الحقائق الثابتة التي لايمكن لأي كان الفرار منها هو أن للإنسان يوما سائر إليه ومتجه نحوه مع كل لحظة تنقضي من عمره وحياته؛ وهو يوم الحساب على الأعمال، فيحاسب العبد على كل صغيرة وكبيرة كان قد عملها في هذه الدنيا، لذلك قال الله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[1]

وجليٌّ أن هذه الآيات المباركة تتحدث عن قضية "حساب الأعمال" التي يتعرض لها البشر، وكيفية مراحل إنجاز ذلك في يوم المعاد والقيامة، حيث يقول تعالى: وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه. والطائر يعني الطير. ولكن الكلمة هنا تشير إلى معنى آخر كان سائدا ومعروفا بين العرب، إذ كانوا يتفألون بواسطة الطير، وكانوا يعتمدون في ذلك على طبيعة الحركة التي يقوم بها الطير. فمثلا إذا تحرك الطير من الجهة اليمنى، فهم يعتبرون ذلك فألا حسنا وجميلا. أما إذا تحرك الطير من اليسرى فإن ذلك في عرفهم وعاداتهم علامة الفأل السئ، أو ما يعرف بلغتهم بالتطير... وفي كل الأحوال فإن كلمة " طائر " في الآية .. تبين أن التفاؤل الحسن والسئ أو الحظ النحس والجميل، إنما هي أعمالكم لا غير، والتي ترجع عهدتها إليكم وتتحملون على عاتقكم مسؤوليتها.. إن تعبير الآية الكريمة، بكلمتي " ألزمناه " و " في عنقه " تدلان بشكل قاطع على أن أعمال الإنسان والنتائج الحاصلة عن هذه الأعمال لا تنفصل عنه في الدنيا ولا في الآخرة، وهو بالتالي، وفي كل الأحوال عليه أن يكون مسؤولا عنها، إذ أن الملاك هو العمل دون غيره.[2]

الدنيا

ويذكر هذا المعنى الطبري في تفسیرالآية فیقول: وكل إنسان ألزمناه مَا قُضي لَه أَنه عامله، وهو صائر إليه مِن شقاء أَو سعادة بِعمله فِي عُنُقه لا يفارقه. وإنما قوله {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ}  مثل لِما كانتِ العرب تَتفاءَل بِه أَو تَتَشاءم مِن سَوانِحِ الطَّيرِ وَبَوارِحِها، فَأَعلَمهم جَل ثناؤه أَنَ كُل إِنْسَانٍ مِنهم قد أَلزمه رَبّه طائره فِي عُنُقِهِ نَحِسا كَانَ ذلِك الَذِي أَلْزمهُ مِنَ الطَّائِرِ، وشقَاءً يوردُه سَعِيرا، أَو كانَ سَعْدًا يُورِدهُ جنات عَدن. وَبِنحوِ الذي قُلنا في ذلك، قَال أَهل التأْوِيل.[3]

وقال السّيد عبد اللّه شبّر: (وَكُلَّ إِنسان أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ) عمله من خير وشرّ (في عُنُقِهِ) لزوم الطّوق في عنقه (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا) وهو صحيفة عمله (يَلْقاهُ مَنْشُورًا)، ويقال له: (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسيبًا) محاسباً، ولقد أنصفك من جعلك حسيب نفسك.[4]

الإعراض عن الدنيا طريق النجاح يوم الحساب:

نتعلم من نفحات روايات أهل البيت عليهم السلام سبيل الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة وأن الإعراض عنها وهجرها منجاة يوم القيامة. فعن مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: "إن الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها".[5]  وعنه عليه السلام: "إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى، لا يبصر مما وراءها شيئا، والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها، فالبصير منها شاخص، والأعمى إليها شاخص، والبصير منها متزود، والأعمى لها متزود".[6]  وعنه عليه السلام: "إن الدنيا لم تخلق لكم دار مقام، بل خلقت لكم مجازا لتزودوا منها الأعمال إلى دار القرار".[7]

وحقيقة الحساب على الأعمال وأنها مكتوبة محفوظة في كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، هذه الحقيقة تضع الإنسان العاقل في سكة المسارعة إلى رضوان الله تعالى مباشرة ودون تردد، وبالتلي امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وهذه المسارعة حاجز من أن تقع النفس ضحية لدنس الذنوب والغفلة، وما جاء من البينات والحكم على لسان أمير المؤمنين عليه السلام فيما أسلفنا يُعطينا دروسا في الإستيقاظ واليقظة قبل فوات الأوان.

__________________________

المصادر:

[1] سورة الإسراء، الآية13 و14.

[2] تفسيرالأمثل، ج ٨، ص٤٢٥ – 426. <بتصرف>

[3] تفسير جامع البيان،ج14، ص518.

[4] تفسير القرآن الكريم، ص280.

[5] نهج البلاغة، الخطبة28و157و230و86و111، والحكمة131.

[6] نهج البلاغة، الخطبة133و 132و76.

[7] نهج البلاغة، الخطبة133و132و76.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
2 + 6 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.