من العجب أن يدعي امرء العلم وتفوت عليه أمور تعج بها كتبه قبل كتب الآخرين.
من الأمور التي حاول علماء العامة وزعماؤهم التشويش فيها قديما وحديثا؛ قولهم بعدم صحة أن يكون أولاد فاطمة الزهراء سلام الله عليها من ذرية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله؛ بزعمهم أنّ نسل الإنسان وعقبه إنّما يكون عن طريق الأولاد الذكور لا الإناث، والحال أن رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم لم يكن له عقب من أولاده الذكور، فيثبت -حسب مدعاهم- أن يكون أولئك أسباطه وأبناء بنته، لا أولاده وذرّيّته. وقد استشهد من جرى وراء هذه الفرية بشعر اختلف في قائله؛ مفاده أن بنو الأبناء كالأبناء، أما أبناء البنات فهم غرباء. والبيت هو:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا .. بنوهن أبناء الرجال الأباعد
أولاد البتول هم ذرية الرسول
إن العجب العجاب أن يدعي امرء العلم وتفوت عليه أمور بلغت حد الكثرة في كتبه قبل كتب غيره. ومن تلكم الأمور ما نحن بصدده، حيث أن كتب العامة متخمة ببيان أن أولاد فاطمة الزهراء سلام عليها هم أولاد الرسول صلى الله عليه وآله وذريته. ومن ذلك ما نقله الحافظ الكنجي الشافعي بسنده عن عمر بن الخطّاب ، قال : "سمعت رسول الله يقول : كلّ بني انثى فإنّ عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة ، فإنّي أنا عصبتهم وأنا أبوهم".[1] وأيضا نقل غير واحد من علمائهم وحفّاظهم ما هذا مثله أو ما هو قريب منه.
روى العلاّمة الطبرسي في كتابه : الاحتجاج رواية مفصّلة وطويلة تحت عنوان : «أجوبة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام لأسئلة هارون» وآخر سؤال وجواب ، كان حول الموضوع الذي بين أيدينا، وإليكم الحديث بتصرّف :
هارون : لقد جوّزتم للعامّة والخاصة أن ينسبوكم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقولوا لكم : يا أولاد رسول الله ، وأنتم بنو عليّ ، وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قبل أمّكم؟!
الإمام عليه السلام : لو أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نشر فخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه؟!
هارون : سبحان الله! ولم لا أجيبه ، وأفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.
الإمام عليه السلام : لكنّه لا يخطب إليّ ، ولا أزوّجه.
هارون : ولم؟! الإمام عليه السلام : لأنّه ولدني ولم يلدك.
هارون : أحسنت!!
ولكن كيف قلتم : إنّا ذرّيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنبيّ لم يعقّب؟! وإنّما العقب للذّكر لا للأنثى ، وأنتم ولد بنت النبي، ولا يكون ولدها عقبا له صلى الله عليه وآله وسلم !!
الإمام عليه السلام : أسألك بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلاّ أعفيتني عن هذه المسألة.
هارون : لا ... أو تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم ، كذا أنهي لي ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه ، حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله ، وأنتم معشر ولد عليّ تدّعون : أنّه لا يسقط عنكم منه شيء ، ألف ولا واو ، إلاّ تأويله عندكم واحتججتم بقوله عزّ وجلّ : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ }[2] وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم!!
الإمام عليه السلام : تأذن لي في الجواب؟
هارون : هات.
الإمام عليه السلام : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم : { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ}[3] فمن أبو عيسى عليهالسلام؟!
هارون : ليس لعيسى أب!
الإمام عليه السلام : فالله عزّ وجلّ ألحقه بذراري الأنبياء عن طريق أمّه مريم عليها السلام وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل أمّنا فاطمة عليها السلام ... هل أزيدك؟
هارون : هات.
الإمام عليه السلام : قال الله تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[4] ولم يدّع أحد أنّه أدخله النبيّ صلى اللهعليه وآله وسلم تحت الكساء وعند مباهلة النصارى، إلاّ عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، واتّفق المسلمون : أنّ مصداق : (أَبْناءَنا) في الآية الكريمة : الحسن والحسين عليهما السّلام ، و (نِساءَنا) : فاطمة الزهراء عليها السلام (وَأَنْفُسَنا) : عليّ بن أبي طالب عليهالسلام[5].
وبعد هذا الرد الإلهي النوراني صعق خليفة القوم وبهت. وهل يبقى بعده شبهة مشتبه أو تدليس مدلس؟!
________
المصادر:
[1] كفاية الطالب،الكنجي الشافعي، ص٣٨١.
[2] سورة الأنعام، الآية38.
[3] سورة الأنعام، الآية85.
[4] سورة آل عمرانن الآية61.
[5] الإحتجاج، الطبرسي، ج2، ص391.
مصدر المقال: كتاب ليالي بيشاور. بتصرف.