أنشئ: 06/19/2023 - 07:39
و أما مناقب الإمام الجواد فما اتسعت له حلبات مجالها و لا امتدت له أوقات آجالها بل قضت عليه الأقدار الإلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها و إسجالها فقل في الدنيا مقامه و عجل القدوم عليه لزيارة حمامه فلم تطل بها مدته و لا امتدت فيها أيامه غير أن الله جل و علا خصه بمنقبة متألفه في مطالع التعظيم بارقة أنوارها مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها بادية لأبصار ذوي البصائر بينة منارها هادئة لعقول أهل المعرفة آية آثارها و هي و إن كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة و صيغتها و إن كانت صغيرة فدلالتها كبيرة و هي أن هذا.
أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ع لَمَّا تُوُفِّيَ وَالِدُهُ عَلِيٌّ الرِّضَا وَ قَدِمَ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُونُ إِلَى بَغْدَادَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِسَنَةٍ اتَّفَقَ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْماً إِلَى الصَّيْدِ فَاجْتَازَ بِطَرَفِ الْبَلَدِ فِي طَرِيقِهِ وَ الصِّبْيَانُ يَلْعَبُونَ وَ مُحَمَّدٌ وَاقِفٌ مَعَهُمْ وَ كَانَ عُمُرُهُ يَوْمَئِذٍ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَمَا حَوْلَهَا فَلَمَّا أَقْبَلَ الْمَأْمُونُ انْصَرَفَ الصِّبْيَانُ هَارِبِينَ وَ وَقَفَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدٌ ع فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ فَقَرُبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ وَ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ عَلَا قَدْ أَلْقَى عَلَيْهِ مَسْحَةً مِنْ قَبُولٍ فَوَقَفَ الْخَلِيفَةُ وَ قَالَ لَهُ يَا غُلَامُ مَا مَنَعَكَ مِنَ الِانْصِرَافِ مَعَ الصِّبْيَانِ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ مُسْرِعاً يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُنْ بِالطَّرِيقِ ضِيقٌ لِأُوَسِّعَهُ عَلَيْكَ بِذَهَابِي وَ لَمْ تَكُنْ لِي جَرِيمَةٌ فَأَخْشَاهَا وَ ظَنِّي بِكَ حَسَنٌ أَنَّكَ لَا تَضُرُّ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ فَوَقَفْتُ فَأَعْجَبَهُ كَلَامُهُ وَ وَجْهُهُ فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ ابْنُ مَنْ أَنْتَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا فَتَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ وَ سَاقَ إِلَى وِجْهَتِهِ وَ كَانَ مَعَهُ بُزَاةٌ فَلَمَّا بَعُدَ عَنِ الْعِمَارَةِ أَخَذَ بَازِياً فَأَرْسَلَهُ عَلَى دُرَّاجَةٍ فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ غَيْبَةً طَوِيلَةً ثُمَّ عَادَ مِنَ الْجَوِّ وَ فِي مِنْقَارِهِ سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ وَ بِهَا بَقَايَا الْحَيَاةِ فَتَعَجَّبَ الْخَلِيفَةُ مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ التَّعَجُّبِ ثُمَّ أَخَذَهَا فِي يَدِهِ وَ عَادَ إِلَى دَارِهِ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي أَقْبَلَ مِنْهُ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَدَ الصِّبْيَانَ عَلَى حَالِهِمْ فَانْصَرَفُوا كَمَا فَعَلُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ أَبُو جَعْفَرٍ لَمْ يَنْصَرِفْ وَ وَقَفَ كَمَا وَقَفَ أَوَّلًا فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ الْخَلِيفَةُ قَالَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا فِي يَدَيَّ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ عَلَا أَنْ قَالَ ( الإمام الجواد ) يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ بِمَشِيَّتِهِ فِي بَحْرِ قُدْرَتِهِ سَمَكاً صِغَاراً تَصِيدُهَا بُزَاةُ الْمُلُوكِ وَ الْخُلَفَاءِ فَيَخْتَبِرُونَ بِهَا سُلَالَةَ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ فَلَمَّا سَمِعَ الْمَأْمُونُ كَلَامَهُ عَجِبَ مِنْهُ وَ جَعَلَ يُطِيلُ نَظَرَهُ إِلَيْهِ وَ قَالَ أَنْتَ ابْنُ الرِّضَا حَقّاً وَ ضَاعَفَ إِحْسَانَهُ إِلَيْهِ. {[1]} و في هذه الواقعة منقبة تكفي الإمام الجواد عن غيرها و يستغنى بها عن سواها.
[1] كشف الغمة في معرفة الأئمة (ط - القديمة) ؛ ج2 ؛ ص343
وسوم: