أصالة مذهب الشيعة وتفرق أهل السنة

لم تكن الشيعة الإمامية فرقة سرية لا يعرف عن عقائدها شئ، بل شيعة أهل البيت استهدفوا من قبل الحكام لرفضهم بيعة الذين غصبوا الخلافة من أهل البيت عليهم السلام، فكان الحُكام يعادونهم كما يعادون أئمة أهل البيت عليهم السلام لشعورهم أن هؤلاء يهددون كيانهم وزوال ملكهم.

وعلى أثر ذلك كانت الشيعة الإمامية تعمل بالتقية الواردة في القرآن،[1] ولم يمكنهم إبراز عقيدتهم في المجتمع، والا فهم من أول الامر كانوا على اعتقادهم بمتابعة اهل البيت عليهم السلام.

لكن أهل السنة افترقوا في القرن الثاني والثالث الى فرقة تتعبد بظاهر الآيات والروايات من دون غور في مفاهيمها أو دقة في أسنادها، وهم الاكثرية من أهل الحديث، لذا كثرت فيهم المشبهة والمجسمة والمثبتون لله حركة وأعضاء من يد ورجل ووجه، الى غير ذلك من البدع الظاهرة بين المسلمين والتي جاءتهم من الاحبار والرهبان المتسترين بالاسلام.

والفرقة الثانية كانت تتمسك بالعقل أكثر من النقل، لذا يؤولون النقل إذا جاء مخالفا لفكرتهم وكانوا يسمون بالمعتزلة.

استمر التشاجر بين الفرقتين زمنا طويلاً، فتارة يغلب أهل الحديث على أهل الاعتزال وتارة بالعكس، وذلك تبعا لميول ورغبات الحكومات آنذاك.

ففي عصر الامويين وأوائل عصر العباسيين، إزدهر منهج أهل الحديث في ظواهر النصوص، وعلى العكس من زمن المأمون والمتوكل حيث كان الازدهار لمنهج الاعتزال حتى صار مذهبا رسميا، فاعتقل أحمد بن حنبل من مشايخ أهل الحديث، لاعتقاده بقدم القرآن الذي يعد من مبادئ أهل الحديث.

لقد كثرت الزنادقة والملحدون في هذا العصر،[2] ولما لمع نجم ابن حنبل في عهد المتوكل، رجع الامر الى الاعتقاد بمقالة أهل الحديث، وأمر المتوكل بنشر هذا المذهب ودعم مقالتهم وتضييق الامر على الاعتزال.

استمر الحال على هذا المنوال الى عصر أبي الحسن الأشعري، فإنه لما شاهد أن السلطة تساير وتوافق الذين سلكوا مذهب أهل الحديث، رجع عن القول بمقالة الاعتزال[3] واتخذ منهجا كلاميّا عُرف فيما بعد بالمذهب الاشعري.

الشيعة الإمامية تمسكوا بالثقلين

وهكذا صارت تتكاثر مذاهب أهل السنة كلما تقدم الزمان، لكن الشيعة الإمامية تمسكوا بالثقلين من أول أمرهم طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وآله الى هذا الزمان، وهذه عقائدهم منشورة في العالم وتاريخها وأساس اعتقادها ومدارسها، فبالتحقيق فيها سوف تنزاح جميع الشبهات والافكار الخاطئة المنسوبة الى الشيعة الإمامية.

المصادر

[1] . سورة آل عمران، الآية 28.

[2] . الحديث والمحدثون ص339.

[3] . فهرست ابن النديم، ص271- وفيات الأعيان، ج3، ص285.