أظهر المأمون الميل للإيرانيين دهاءً منه وسياسة، استغلها حتى استطاع أن يصل إلى الحكم، ويتربع على عرش الخلافة.
دهاء المأمون وعدل أهل البيت : كانت سياسة الإمام علي عليه السلام منذ بداية الدعوة الإسلامية أن يُظهركل تقدير ومودة نحو الفرس الذين اعتنقوا الإسلام، لقد كان سلمان الفارسي وهو أحد مشاهير أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله، رفيق علي عليه السلام وصديقه.
يقول فان فلوتن: إن من أسباب ميل الخراسانيين، وغيرهم من الإيرانيين للعلويين، هو أنهم لم يعاملوا معاملة حسنة، ولا رأوا عدلاً إلا في زمن حكم الإمام علي عليه السلام.[1]
ويعتقد الأستاذ علي غفوري: أن الإيرانيين كانوا قبل الإسلام يعاملون بمنطق أن الناس قد خلقوا لخدمة الطبقة الحاكمة، وأن عليهم أن ينفذوا الأوامر من دون كيف ولماذا. فجاء الإسلام بتعاليمه الفطرية السهلة السمحاء، فاعتنقوه بكل رضى وأمل، وبدأ جهادهم في سبيل إقامة حكومة إسلامية حقيقية. وبما أن الذين تسلموا زمام الأمور كانوا منحرفين عن الإسلام وتعاليمه، ويحاولون تلبيس عاداتهم الجاهلية بلباس الإسلام. وإعطائها صفة القانونية والشرعية. فإن الإيرانيين لم يجدوا أهداف الإسلام وتعاليمه في تلك الحكومات، ولهذا كان من الطبيعي أن يتوجهوا إلى علي، والأئمة من ولده الذين تعدى الآخرون على حقوقهم بالخلافة، والذين كان سلوكهم المثالي هوالمرآة الصافية، التي تنعكس عليها تعاليم الإسلام وأهدافه، ويمثلون الصورة الحقيقية للإسلام على مدى التاريخ.[2]
دهاء المأمون
لذا حاول المأمون أن يستغل تشيع الايرانيين لمصالحه وأهدافه. حيث وعدهم، وتحبب لهم، وتقرب منهم، وتظاهر بالحب لعلي عليه السلام وذريته، فأعطت محاولة المأمون الثمار المرجوة منها، لأن الخراسانيين كانوا يريدون التخلص من أولئك الحكام الذين يضطهدون كل من عرفوه موالياً لأهل البيت محبا لهم، ابتداء من المنصور والسفاح. وانتهاء بالرشيد.
فالخراسانيون ظنوا بالمأمون أن يكون منقذاً لهم من أولئك الولاة الذين ساموهم شتى ضروب الظلم والعذاب. والذين لم يكن يهمهم غير مصالحهم، وإرضاء شهواتهم وملذاتهم.
فوثقوا بوعود المأمون التي أغدقها عليهم بدون حساب، وأمنوا جانبه، فكانوا جنده وقواده، ووزراءه المخلصين، الذين أخضعوا له البلاد، وأذلو له العباد، وبسطوا نفوذه وسلطانه على كثير من الولايات والأمصار، التي كان يطمح إلى الوصول إليها، والسيطرة عليها.
ثم تبيّن أن ميله اليهم ما كان إلا دهاء منه وسياسة، استغلها ليصل إلى الحكم، ويتربع على عرش الخلافة، بعد أن قتل أخاه وقضى على أشياعه بسيوف غير العرب.
المصادر:
[1] . السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات. ص104
[2] . بالفارسية: يادبود هشتمين امام، ص29.