لقد درس المأمون فكرة ولاية العهد ومقاصدها دراسة دقيقة وأخذ في اعتبارها كافة الاحتمالات ومختلف النتائج وإن كانت مكشوفة للناس بسبب ما يتبعه الإمام من تخطيط حكيم.
كانت للمأمون أهداف يقصدها من وراء البيعة للإمام الرضا عليه السلام ، كالأمن من الخطر الذي كان يتهدده من تلك الشخصية التي كانت كتبه تنفذ في المشرق والمغرب، فإذا أصبح الإمام ولي العهد سوف لا يستطيع أن يدعو الناس الى الثورة أو يأتي بحركة ضد الحكم.
ومن مقاصد البيعة أن يجعل الإمام عليه السلام تحت المراقبة الدقيقة من الداخل والخارج ليسهل القضاء عليه فيما بعد بأساليب خاصة، لذا زوجه بابنته لهذا الغرض وكان على الدوام يدس الوصائف هدية ليطلعنه على أخبار من شاء.[1]
كما ولّى هشام بن ابراهيم حجابة الرضا عليه السلام، فكان لا يصل الى الرضا الا من أحب، لذا صعب على من يقصده أن يصل اليه، واذا تكلم أحد في دار الرضا بشئ أورده هشام الى المأمون وذي الرياستين.[2]
يناظر عليه السلام العلماء فيغلبهم
يقول أبو الصلت: إن الرضا كان يناظر العلماء فيغلبهم، فكان الناس يقولون: والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أهل الاخبار يرفعون ذلك إليه.[3]
ولهذا السبب، نرى جعفر بن محمد بن الأشعث يطلب من الإمام عليه السلام أن يحرق كتبه اذا قرأها، مخافة أن تقع في يد غيره، لكن الإمام عليه السلام أجابه مطمئناً له: إني اذا قرأت كتبه لا أحرقها.[4]
ومن مقاصد البيعة، عزل الإمام عليه السلام من الحياة الاجتماعية وابعاده عن الناس وابعاد الناس عنه عليه السلام، حتى لا يؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية، وبما منحه الله إياه من العلم والعقل والحكمة، وأيضا حتى لا يمارس الإمام عليه السلام أي نشاط لا يكون له هو دور رئيس فيه، وخصوصاً بالنسبة لرجال الدولة، إذ قد يتمكن الإمام عليه السلام من قلوبهم، ومن ثم من تدبير شيء ضد النظام القائم دون أن يشعر أحد.
لكن المأمون مهما بنى من خطط، يأتي الإمام وبمواقفه الحكيمة، ينسف كل ما بناه ويجعله هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.
المصادر:
[1] . العقد الفريد، ج 1 ، ص 148.
[2] . عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 153.
[3] . بحار الأنوار، ج 49، ص 290.
[4] . كشف الغمة، ج 3، ص 92.