كان الإمام الباقر (عليه السلام) هو الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه في الفترة التي عاش فيها، وهو المفجّر للثورة العلمية آنذاك، نذكر في المقال شيئاً يسيراً عن الإمام وفضله.
الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) البدر الخامس في سماء الإمامة، من أب وأم علويين وفاطميين، والده الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ووالدته الجليلة فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فهو أول مولود ولد في بيت النبوة يصل نسبه إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) وإلى بضعة المختار فاطمة بنت محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) من ناحیة الأب والأم.
وقد شع نوره، نور العلم والإيمان حتى اشتهر بين المسلمين بالعلم والتقوى وكل صفة حميدة مدحها الله تعالى ونبيه الكريم. فعن الإمام جعفر بنِ محمّدٍ، عن أَبيه قالَ : «دخلتُ على جابرِ بنِ عبدِاللهِ رحمةُ اللهِّ عليه فسلَّمتُ عليه ، فردَّ عليَّ السّلامَ ثم قالَ لي : مَنْ أَنتَ؟ ـ وذلكَ بعدَما كُفّ بصرُه ـ فقلتُ : محمّدُ بنُ عليِّ بنِ الحسين ؛ فقالَ : يا بُني ادْنُ منِّي ، فدنوتُ منه فقبّلَ يَدَي ثمّ أَهوى إلى رجليّ يقبِّلها فتنحّيتُ عنه ، ثمّ قالَ لي : إِنّ رسولَ اللهِ يُقرئُكَ السّلامَ ، فقلتُ : وعلى رسولِ اللهِ السّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه ، وكيفَ ذلكَ يا جابرُ؟ فقالَ : كنتُ معَه ذاتَ يومٍ فقالَ لي : يا جابر ، لعلكَ أَنْ تبقى حتّى تلقى رجلاً من ولدي يقالُ له ُمحمّد بنُ عليِّ بنِ الحسينِ ، يَهبُ اللهُ له النُورَ والحكمَةَ فاقْرِئْه منِّي السّلامَ».[1]
وكان الإمام الباقر (عليه السلام) هو الأعلم بكتاب الله وسنة نبيه في الفترة التي عاش فيها
وهو المفجّر للثورة العلمية آنذاك وقد جرت ينابيع الحكمة منه حتى ارتوى كل من ثنّى الركبة أمامه ليستلقي من مكنون علمه ولا يخفى ذلك على كل من تطلّع على آثاره التوحيدية والعقائدية والفقهية والكثير من العلوم التي يحتاجها الإنسان لنيل السعادة الدنيوية والأخروية.
وفي رواية عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين (عليه السلام) يقال له : محمد ، يبقر علم الدين بقرا فاذا لقيته فأقرأه مني السلام.[2]
يقول صاحب الصحاح: و التَبَقُّرُ: التَوَسُّعُ فى العِلم و المال. وكان يقال لمحمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى اللّٰه عنه «البَاقِرُ» لتَبَقُّرِهِ فى العلم.[3]
فمن الناحية العلمية تخرج على يده الكثير من العلماء والفقهاء في عصره وكان المرجع في حل كل معضلة دينية وعقائدية، يروى أن نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ ع قَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مَتَى كَانَ؟ قَالَ مَتَى لَمْ يَكُنْ حَتَّى أُخْبِرَكَ مَتَى كَانَ سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَزَلْ وَ لَا يَزَالُ فَرْداً صَمَداً لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.[4]
يقول ابن أبي الحديد في وصف الإمام الباقر (عليه السلام): و هو سيد فقهاء الحجاز و منه و من ابنه جعفر تعلم الناس الفقه و هو الملقب بالباقر باقر العلم لقبه به رسول الله ص و لم يخلق بعد و بشر به و وعد جابر بن عبد الله برؤيته و قال ستراه طفلا فإذا رأيته فأبلغه عني السلام فعاش جابر حتى رآه و قال له ما وصى به.[5]
لا ينحصر عطاء الإمام الباقر (عليه السلام) بالعطاء العلمي وإرشاد الناس بل كان كرم الإمام وجوده يشهد له التأريخ وينص عليه الأصحاب فعنِ الحسنِ بنِ كثيرٍ قالَ : شكوتُ إِلى أَبي جعفرٍ محمّدٍ بنِ عليٍّ الحاجةَ وجفاءَ الأخوانِ ، فقالَ : «بئسَ الأخ أَخٌ يرعاكَ غنيّاًَويقطعك فقيراً» ثمّ أَمرَ غلامَه فأَخرجَ كيساً فيه سبعمائةِ دِرهمٍ وقالَ : «استنفِقْ هذه فإِذا نَفِدَتْ فأَعْلِمْني».[6]
نعم، كان الإمام معطاءً للعلم والأخلاق الساميه فتزوّد منه عصره، ولكن هذا العلم والخلق العظيم يصعب على جنود إبليس فاحتالو للإمام (عليه السلام) حيلة ليقتلوه ويعبّدوا لأنفسهم طريق الحكومة والطغيان، فدس اليه السم في زمن الطاغية هشام بن عبد الملك، واستشهد في اليوم السابع من ذي الحجة عام 114 للهجرة النبوية فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّا.
المصادر:
[1] الإرشاد، ج2، ص158.
[2] البحار، ج46، ص222.
[3] الصحاح تاج اللغة و صحاح العربية، ج2، ص595.
[4] الإحتجاج، ج2، ص321.
[5] شرح نهج البلاغة، ج2، ص277.
[6] الإرشاد ج2، ص166.