کربلاء دروس وعبر

أكل الحرام : حینما یکون الظالم والمظلوم مشترکین فی الجریمة، الظالم لظلمه والمظلوم لسکوته علی الظلم، يكون الجميع مشتركين في الجرم، لأن الذی قتل ناقة صالح وعقرها رجل واحد، لکن الله عمهم بالبلاء حین سکتوا عنه وعمّوه بالرضی.

فهكذا الذی تجرء على قتل الامام الحسین عليه السلام رجل واحد، لکن کل من حضر أرض کربلاء و کل من رضی بهذه الغفلة الشنیعة مشارك في الجرم، وهذا هو مفاد "لعن الله أمة سمعت بذلک فرضیت به".[1]

إن السکوت عن الظلم لا یقل جریمة عن الظلم ذاته، والانحراف کان قد بدأ فی الامة الاسلامیة بسکوتهم عن الظلم وانحرافهم عن الشريعة بأكل الحرام، فإن الانحراف بأكل الحرام یؤدی بالانسان الی قتل ابن بنت نبیه، و هولا یبالی، لان أکل الحرام یورث قسوة القلب. وقسوة القلب تمثلت عند شمر وعمر بن سعد و حرملة، قال الإمام الحسين عليه السلام حینما نصح القوم ولم یسمعوا نصیحته: قد"ملئت بطونکم حراماً".[2]

نادى ابن زیاد وقال: ان کل من یذهب الی قتال الامام الحسین عليه السلام یضاف الی عطاءه عشرة، ولم يبيّن مراده من العشرة، فظن الناس عشرة دنانیر، وجاءوا الی كربلاء ووقفوا ضد الامام الحسین عليه السلام، ثم لما عادوا وقالوا: أین العشرة؟ فأعطاهم عشر تمرات.

 من هنا بدأ انحراف الأمة، وانحراف النفس التی تبیع ذاتها بدینار، لانه حینما ینزل الانسان الى مستوی بیع نفسه، فلا فرق بین أن یبیع نفسه بتمرة أوبدینار. وشمر بن ذی الجوشن مثال علی ذلک إذ قال لابن زیاد:

املأ رکابی فضة أو ذهبا لقد قتلت الرجل المحجبا

قتلت خیر الناس أماً وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقیل له: لم قتلته اذا کان خیر الناس أماً وأبا؟ فأجابه قائلاً: قتلته لعطائک، قال له: لا عطاء لک، اذهب!![3]

إن التعبیر بالأکل الحرام أفضل من تعبير الانحراف الاقتصادی، لان الانحراف الاقتصادی یمکن أن یفسر بشیء مختلف، والحرام یعنی أکل ما لا تجوزه الشریعة الاسلامیة.

معنى أكل الحرام

وماذا تعنی كلمة أکل الحرام؟ إن بنت أبی الأسود الدؤلي الصغیرة أجابت على السؤال وبيّنت ذلك أحسن بيان، حینما جاءت الیها السلطات الفاسدة بعسل، وهی کانت جائعة لم تطعم شیئاً منذ ثلاثة أیام فذاقت العسل قلیلاً، فاذا بأبیها یدخل علیها قائلا ماذا تفعلین؟ قالت أکلت قلیلاً من هذا العسل؟ قال: أو تعرفین من الذی أرسل هذا؟ قالت: لا، فقال لها: إن معاویة هو الذی أرسله.

حینها ذهبت الی طرف ووضعت اصبعها فی حلقها وأفرغت العسل، وأخذت تنشد تلک الابیات المعروفة:

أبالعسل المصفی یابن هند * نبیع علیک إیماناً ودینا

فلا والله ليس يكون هذا * ومولانا أمير المؤمنينا[4]

فقد عرفت هذه البنت ان أکل العسل الحرام بدایة الانحراف ومن ثم بیع النفس بدینار، عرفت ذلک بفطرتها البریئة وببصیرتها الدینیة، وبتربیة أبیها لها، لکن أهل الکوفة لم یعرفوا هذا الواقع.

المصادر:

[1] . بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج ٩٨، ص ٢٠٠.

[2] . ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج ٣، ٢٦٠٨.

[3] . لواعج الأشجان، السيد محسن الأمين، ص207.

[4] . أعيان الشيعة، السيد محسن الامين العاملي، ج2، ص 275.