-كثرة فضائل ومناقب الامام علي عليه السلام في السنة، دفع ابن تيمية الى الوقوع في الاضطراب في الكلام.
إن تلك الفضائل والمناقب لأنها كثيرة جدا وأسانيدها كذلك ، ما سبّب وقوع ابن تيمية في حيرة واضطراب في المقال.
فهو من جهة يحاول التقليل من عدد ما صح منها ، مستشهدا على ذلك بكلام ابن حزم حيث قال : " الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : أنت في بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي . وقوله : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله - وهذه صفة واجبة لكل مسلم ومؤمن وفاضل - وعهده صلى الله عليه وسلم : إن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق . . . وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة ، يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها " [1].
اذن فما صح من الفضائل هو هذه الأحاديث الثلاثة . . لكن ابن تيمية من جهة اخرى يعود فيعدد فضائل للإمام مما لم يذكره ابن حزم قائلا : " وأما مناقب علي التي في الصحاح فأصحها قوله يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا . . . فمجموع ما في الصحيح لعلي نحو عشرة أحاديث . . . "[2].
ويستشهد في موضع آخر بكلام لأبي الفرج ابن الجوزي وفيه : " فضائل علي الصحيحة كثيرة " [3].
تكذيب ابن تيمية الخبر عن احمد
كما انه قد نص أحمد بن حنبل - الذي طالما يعظمه ابن تيمية ويقتدي به - على أنه لم يرد في حق أحد من الصحابة من الأحاديث المعتبرة ما ورد في حق علي . . .
وهنا يحاول ابن تيمية تكذيب الخبر ، لأنه عن إمامه وعليه أن يقبله ، وحينئذ يلزمه الاعتراف بأفضلية علي ، وقد قرر ابن تيمية أن الأفضل هو المتعين للإمامة. قال: «وأيضا فالذي يخلف المطاع بعد موته لا يكون إلا أفضل الناس»[4]
فيقول : " وأحمد بن حنبل لم يقل إنه صح لعلي من الفضائل ما لم يصح لغيره ، بل أحمد أجل من أن يقول مثل هذا الكذب ، بل نقل عنه أنه قال : روي له ما لم يرو لغيره " [5].
وحتى لو كانت الكلمة المنقولة عن أحمد : " روي له ما لم يرو لغيره " ، فهل مقصوده روي له من الفضائل ، أو المطاعن ؟ وإذا كان المقصود الفضائل فهل يقصد الفضائل الثابتة بالطرق المعتبرة عنده ، أو الأعم من الثابت والمكذوب ؟
وللجواب أنظر إلى ما جاء في المستدرك للحاكم ، يقول: " ومن مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مما لم يخرجاه : سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمد بن المظفر الحافظ يقولان : سمعنا أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول : سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - " [6].
فلو كان هذا نص كلام أحمد فماذا فهم منه القوم حتى رووه عنه بالإسناد الصحيح معنعنا بالسماع ؟ وإذا لم يكن المراد هو الفضائل الثابتة فكيف يأتي الحاكم بهذا الكلام تحت عنوان " ومن مناقب أمير المؤمنين مما لم يخرجاه "
المصادر
[1] . منهاج السنة،ج 7 ، ص 320 .
[2] . المصدر، ج 7 ، ص 420 .
[3] . المصدر، ج 7 ، ص442 .
[4] . المصدر، ج 4 ، ص 273.
[5] . المصدر، ج 7 ، ص 374 .
[6] . المستدرك على الصحيحين، ج 3 ، ص 107 .