ميزان القيـــم

17:27 - 2024/05/25

حامل الدعوة الإِلهيّة يجب أن يكون إنساناً تغمر وجوده روح التقوى والفضيلة.

ميزان القيـــم

يتخذ كثير من البشر معيار المال والثروة والمقام الظاهري والشهرة وسيلة للحكم على الناس. لذا كان صغار العقول زمن بعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ يتصوّرون أنّ الأثرياء، وزعماء القبائل الظلمة هم أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى، ولذلك فإنّهم كانوا يتعجبون لماذا لم تنزل موهبة النبوّة والرحمة الإِلهيّة العظيمة على رجل من قبيل هؤلاء الأفراد، ونزلت على يتيم فقير خالي اليد اسمه محمّد! إن هذا لشيء عجاب لا يكاد يصدق!

المال والمقام الظاهري ليس ميزانا إلهيا للتفاضل

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز عن مشركي العرب المحاربين لنبوة محمد صلى الله عليه وآله: { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـذا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُل مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم}[1]، حيث أن الآية في صدد الإشارة إلى طريقة تفكير أكابر المشركين المعاندين ومجرميهم، وإلى مزاعمهم المضحكة الباطلة، وكأن الوصول إلى مقام النبوة وهداية الناس يعتمد على سن الشخص وماله، أو هو ميدان للمنافسة الصبيانية بين القبائل! حيث كانت عقليتهم المريضة لا ترى إلا المال والجاه والسلطة معيارا لاستحقاق المراتب العليا عند الله تعالى، ولذلك اعترضوا على نبوة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله بمثل ذلك القول والإعتراض. ولاشك أن نظام القيم الخاطئ هذا يولد عقولا عفنة، وهذا هو السبب العظيم في بلاء المجتمعات البشرية، والعامل الأساس في انحرافها الفكري، حيث تقلب الحقائق تماماً في بعض الأحيان.

المال

بينما حامل الدعوة الإِلهيّة يجب أن يكون إنساناً تغمر وجوده روح التقوى، وأن يكون إنساناً واعياً، ذا إرادة وتصميم، شجاعاً عادلاً، عارفاً بآلام المحرومين والمظلومين، ذائقاً لمرارتها. هذه هي القيم التي يلزم توفّرها من أجل حمل الرسالة السماويّة، لا الألبسة الفاخرة الجميلة، والقصور الفخمة الفارهة المزيّنة بأنواع الزينة والزخارف، خاصّة وإن أيّاً من أنبياء الله لم يكن متمتعاً بهذه الصفات والمزايا المادية، لئلاّ تشتبه القيم الأصيلة بالقيم المزيّفة.

يرد القرآن على أولئك المشركين بأجوبة قاطعة على هذا النمط من التفكير المتسافل الخرافي، ويجسد النظرة الإِلهيّة الإِسلاميّة تماما، فيقول: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}[2] فيمنحوا النبوّة من يشاؤون، وينزلوا عليه الكتاب السماوي، وإذا لم يعجبهم إنسان أهملوه؟

هؤلاء على خطأ كبير، فإنّ ربّك هو الذي يقسم رحمته، وهو يعلم وحده من يستحق هذا المقام العظيم، ومن هو أهل له{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[3].

إنّ وجود التفاوت والإِختلاف بين البشر من ناحية مستوى المعيشة، لا يدل على تفاوتهم في المقامات والمنازل المعنويّة مطلقا، بل { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}[4]

لقد نسي هؤلاء أنّ حياة البشر حياة جماعيّة، ولا يمكن أن تدار هذه الحياة إلاّ عن طريق التعاون والخدمة المتبادلة، فإذا ما تساوى كلّ الناس في مستوى معيشتهم وقابليّاتهم ومكانتهم الإِجتماعية، فإنّ أصل التعاون والخدمة المتبادلة سيتزلزل. وبناء على هذا فينبغي أن لا يخدعهم هذا التفاوت، ويظنّوا أنّه معيار القيم الإِنسانية، إذ { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[5]، بل إن كل المقامات والثروات لا تعدل جناح بعوضة في مقابل رحمة الله والقرب منه. فتأمل رحمك الله.

________

المصادر:

[1] سورة الزخرف، الآية31.

[2] سورة الزخرف، الآية32.

[3] سورة الأنعام، الآية124.

[4] سورة الزخرف، الآية32.

[5] سورة الزخرف، الآية32.

تفسير الأمثل، الشيخ مكارم الشيرازي، ج16، ص42. بتصرف.

Plain text

  • وسوم إتش.تي.إم.إل المسموح بها: <a> <em> <strong> <span> <blockquote> <ul> <ol> <li> <dl> <dt> <dd> <br> <hr> <h1> <h2> <h3> <h4> <h5> <h6> <i> <b> <img> <del> <center> <p> <color> <dd> <style> <font> <u> <quote> <strike> <caption>
  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
4 + 8 =
Solve this simple math problem and enter the result. E.g. for 1+3, enter 4.